السنون تمضي والمتغيرات تتوالى تباعاً في العالم من حولنا، والبقاء على نفس الحال ونفس الوضع يبعث على الملل والإحباط وربما الحزن أيضاً، ويثبت أننا نعيش بمعزل عن العالم الذي يتغير بخطى متسارعة نحو الأفضل. هذا الوضع يدركه أكثر من يعود بعد سفر طويل فيرى الأمور كما كانت من قبل ولم تتغير شيئاً يذكر، على خلاف الكثير من البلدان والمجتمعات التي استطاعت أن تتجاوز حالة الثبات السلبي عن نفس الوضع والثقافة والوعي والسلوك الاجتماعي. لفت انتباهي لهذا الأمر أحد الأصدقاء الذي عاد للتو بعد أكثر من خمسة أعوام قضاها خارج الوطن بصورة مستمرة كان أول حديثه معي أنه لاحظ أن لاشيء جديد يمكن ملاحظته يختلف عن الماضي، حاولت أن أسرد له بعض المستجدات والأشياء التي أرى أنها جديدة ولم تكن موجودة من قبل لكن الواقع لم يخدم رؤيتي للأوضاع من هذه الناحية، حيث أشار إلى الشارع وهو على هيئته التي كان عليها من قبل والمخلفات تنتشر في أرجائه من بقايا الخضروات والفواكه، والأكياس ومخلفات بيع الملابس كل هذا يرمى به إلى الشارع دون اكتراث بشيء.. مخلفات القات لم تعد في وعي الكثير من الناس ضد النظافة والمظهر الحضاري للشوارع والمدن بما في ذلك مخلفات القات الممضوغ في أفواههم وهي عادة قديمة جديدة عند هؤلاء منع من تجاوزها وعي هؤلاء الناس وثقافتهم الثابتة في مكانها الأول، حيث الجهل والتخلف وعلى أساس هذا الوعي وهذه الثقافة لاحرمة للمكان ولافرق بين الأماكن، فكل شيء ليس له حاجة يلقى به في الشارع دون أدنى تفكير بنتائج هكذا فعل فتحولت الكثير من شوارع المدن إلى أماكن لاعلاقة لها بالحضارة والسلوك الحضاري، ولامبالغة إن قلت إن علاقة البعض بالمدن والأماكن النظيفة سيئة للغاية ومثل هؤلاء يمكن للواحد منهم أن يتبول في جانب الشارع دون اكتراث بأحد من المشاة والعابرين، وعندما تنقطع الكهرباء وتٌُظلم الشوارع يجد هؤلاء فرصتهم وحريتهم التامة في تحويل الأرصفة إلى حمامات.. ولأن الأمور في بلادنا لم تتغير في هذه الجوانب على حد وصف صديقي العائد من غربته فكل الشوارع التي مرّ بها من قبل لم تزل تعاني من سلوك الناس وأفعالهم.. واسترسل صديقي في ملاحظاته على الأوضاع والشارع يمده بالأمثلة الحية التي تثبت صحة مايقول ولامجال للدفاع عنها وعن أصحابه، فلامجال للدفاع عن علاقة البعض من الناس بالفوضى والازعاج ونحن نرى بأم أعيننا أناساً لاعلاقة لهم بالحضارة وبالعصر الذي يعيشه العالم من حولنا وبالثقافة التي تحكم سلوكيات الإنسان وتصرفاته. لايمكنك أن تدافع عن علاقة متدهورة للغاية بين الكثير من الناس والنظافة إلى حد العداء حتى في أيام الجمعة والعيد وحتى أولئك الذين هم من الأغنياء وأصحاب الأموال، مع العلم أن النظافة وحسن المظهر بما تيسر من لباس ليس أمراً صعباً لولا الثقافة البالية والإصرار على المظهر السيء ليصبح هذا السلوك مبعث سخرية الغير.. كيف يمكن الدفاع عن أناس لايحترموا الذوق العام ولايحترموا الناس من حولهم وهم يدخنون بصورة همجية في الأماكن والمواصلات العامة وكأنهم ينتقمون من الذين لايدخنون ومع كل هذا لاتشريع يردعهم عن هذا السلوك، ولاجديد في هذا الأمر على الاطلاق؟ الإصرار على عدم التغيير والاستفادة من تجارب العالم ومن الثقافة التي تجتاح العالم بدون استئذان هو الذي يبقي على الناس وعلى المجتمعات في دائرة الجهل والتخلف، والأمر كله يبدأ سلوكاً شخصياً ثم يصبح سلوكاً اجتماعياً عاماً وهذا يحدث في كل الأمور السلبية والايجابية معاً والاختيار للناس.