لايمكن لأي إنسان متابع للكارثة التي حلت بأهلنا في حضرموت وشاهد تلك المآسي الإنسانية إلا أن يذهب بعيداً في تفكيره متأملاً في قدرة الله ومتألماً لهول الكارثة، متعمقاً في البحث عن الأسباب والنتائج وماصاحب هذه الأحداث من مواقف مؤلمة تحفر في ذاكرة من عايشها تخطف السيول عزيزاً أمام عينيك لاتستطيع أن تفعل له شيئاً وتنهار المنازل بصورة متسارعة أمام ناظريك ونجد النساء والأطفال يهرولون هرباً من السيل وهرباً من مساكنهم التي تتساقط كأنك تشاهد فيلماً من الرعب بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى وماصاحب هذا الحدث من لحظات انسانية تمثلت في حالة الاصطفاف والتضامن الشعبي ولحظات الألم التي انتابت الجميع لما حل بأبناء حضرموت والمهرة رأيناه في عيون الفقراء المعدمين الذين لم يجدوا شيئاً يساهمون به إلا الدعاء والدموع في المآقي ورأيناه في كرم المقتدرين الذين لم يبخلوا في تقديم كل بما يقدر عليه من منطلق المسئولية التضامنية الأخوية لأننا نعيش وطناً واحداً ونشترك هماً واحداً ونتقاسم الألم كما نتقاسم الفرح، وليس أدل على ذلك تقاسم الشهداء والمصابين الذين توزعوا على كافة المناطق اليمنية ليشكلوا وحدة وطنية حتى في الكوارث.. فقد أخبرنا أحد الإخوة العاملين في منطقة سيئون من أبناء محافظة إب بعد عودته إلى أهله سالماً كيف تدفقت السيول وكيف تم إنقاذ الأطفال والنساء من مجاري السيول إلى المرتفعات بتعاون الجميع وبكل مسئولية واختفت معها أية ألوان وكيف حاصرت السيول الناجين حتى كأنك تشاهدهم من جزر وسط البحر ل أربعة أيام متتالية بدون أكل أو ماء ماعدا ما تم إنزاله لهم عبر الطائرات العمودية من اليوم الثالث وكانت لاتكفي للجميع فيتم توزيعها للأطفال والنساء ومازاد عليهم يوزع على الرجال حتى تم نقلهم بالطائرات إلى أماكن الايواء حتى تم فتح الطرق ليعود إلى أهله سالماً. كل هذه اللحظات من الألق الوطني أراد صناع الأزمات ومفتعلو المنغصات سرقتها بأفكارهم الضالة ومحاولتهم المستميتة في الإساءة لشعبنا ووحدته مستغلين آلام ومآسي الناس ومعاناتهم والتقليل من الجهود التي بذلت في الإغاثة والإنقاذ. وللشعر موقف أقتطف أبياتاً شعرية جاءت متفاعلة مع الحدث لعدد من الشعراء .. د.محمد صالح الريمي: واليوم لاغرو أن قلنا لمن نكبوا: فينا المغيث «المداوي» «الطاعم» «الكاسي» فالدين والأصل والتاريخ وحدنا مابيننا من لذا قد كان بالناسي اذا اقتضى الأمر تقديم النفوس لكم عوناً فإنا إلى ذا سابقوا الناس تقضي بذا قسماً أخلاق موطننا في قلبنا حبكم أغلى من الماسي حسن عبدالله باحارثه: في حضرموت الجو غيم واعتكر ومع ظلام الليل هل نور القمر مولى الشروع الوافية رغم السيول الجارية سهيل من الشدة حضر والكل لقدومه تفاءل وافتخر وفَّى وكفَّى بالمفيد المختصر رغم الجروح الدامية المعنويات عالية وتزرزرت الجبال زر أ/حسن اللوزي : أحزاننا التي تثيرها الفواجع الكبيرة تصقل عزمنا وعمرنا تمدنا بما يشد أزرنا وقوة الايناع بالحياة وروعة الأمل والزاد والوقود للمسيرة الكارثة دروس وعبر الأحداث تمنح الإنسان تجارب في الفعل ورد الفعل، واليمن مرت بها أحداث جسام بين حروب وكوارث طبيعية وذاكرة الشعوب حية، فهل نجعل من هذه الكارثة محطة توضع فيها كل خبرات اليمن في هذه الأحداث بدءاً من عمليات الإنقاذ والإغاثة والتي نجحت فيها القوات المسلحة بصورة كبيرة قياساً على الإمكانات المحدودة وضخامة الكارثة بقوة السيول وامتدادها لمساحات واسعة تصل إلى مائتين وأربعين ألف كيلو متر مربع وعملية استقبال التبرعات وتوزيعها على المتضررين بآلية محددة تمنع أي تلاعب فيها «النفوس المريضة موجودة في كل زمان ومكان». فالمشكلة لن تنتهي بشهر أو شهرين فهي مستمرة وحاجة الناس للإغاثة قائمة حتى يعود الناس إلى المساكن التي ستعد لهم، فمع الأيام يتناسى الناس هذه الأحداث ويبقى المتضررون هم من يعانون آلامها لذلك يجب أن تستمر المساعدات بآلية تضمن ديمومتها واستمرارها. زاد من حجم الكارثة إقامة المباني والمدن في مجاري السيول وفي بطون الأودية لقربها من الأراضي الزراعية بالإضافة إلى العمارة الطينية التي تهالكت بفعل استمرار هطول الأمطار بغزارة لأكثر من 30 ساعة لتأتي هنا أهمية إعادة تخطيط المدن في الوادي والصحراء والساحل التي سيتم بناؤها على أساس علمي ووفق رؤية شاملة تراعي كل الظروف والاحتمالات وتبتعد عن بطون الأودية وتفعيل القانون بقوة ومنع البناء العشوائي وتعميم ذلك على كل المحافظات،كما أن انهيار الطرق والجسور يضع علامة استفهام أمام جودة المشاريع والكوارث التي يلحقها التهاون أو التساهل في تنفيذ المشاريع الرديئة التي نلمسها في كل الطرق والمباني الحكومية واستمرار إرساء المناقصات على الدخلاء من المقاولين الذين لايفهمون من العمل سوى الأرباح التي يجنونها من هذه الأعمال ليذهب الجميع إلى الجحيم. الصحيفة الناطقة بلسان الحزب الذي يدعي الوصاية على المحافظات الجنوبية صدرت يوم الخميس خالية تماماً من الإشارة إلى ما حدث من كوارث في حضرموت والمهرة وكأن ما حدث في جزر واق الواق.. هكذا وصاية وإلا فلا.