أليس طفل الأمس هو رجل اليوم وطفلة الأمس هي هذه المرأة التي نراها منقبة أو محجبة أو سافرة؟! فكيفما كانوا بالأمس يكونون اليوم مع فارق في مقاسات الطول والعرض والكتلة.. بالإضافة إلى بعض التغيرات الفسيولوجية والبيولوجية، أما العقل والتفكير فإننا في أحيان كثيرة نجد بعض الرجال، وبعضهن لايستطيعون التخلي عن نمط تفكيرهم عندما كانوا صغاراً وبين طريقة أو أسلوب تفكيرهم وهم في مواقع وظيفية تتفاوت خطورتها من مسؤولية حراسة حديقة أو عمارة، إلى حراسة مصالح أمة بأسرها، أو تنشئة جيل برمته.. وقد تفشل المرأة أن تميز أو تفرق بين واقع الأمس عندما كانت طفلة تتعامل مع زميلاتها في الحارة تمكر بهن ويمكرن بها لكنها كانت تتفوق عليهن لأنها كانت تجيد الكذب والمراوغة وتحسن من الكيد والإيقاع بزميلاتها فتشعر بزهو الانتصار كلما ألحقت الهزيمة بالصغار أو الصغيرات من أترابها ورفقاء أو رفيقات الطفولة فإذا ما شكونها كانت هي من «ضرب وبكى وسبق بالشكاء».. فالكثيرات من الفتيات يفشلن في أن يفرقن بين واقع الطفولة وواقع ما بعدها، فيعشن حياة اليوم بعقلية الأمس.. فإذا بنا نرى أو نجد الكثير من الزوجات تفيشلن فشلاً ذريعاً لأن عقلية الناضج أو الراشد من ذكر أو أنثى مازالت مشدودة بقوة إلى عقلية لم تتحرر من طفولتها بعد، وكذلك أحوال الآباء والأمهات في تعاملهم مع أطفالهم وأحوال الموظفين والموظفات مع وظائفهم وأحوال المعلمين والمعلمات مع تلاميذهم في المدارس وأحوال المسؤولين الكبار والصغار مع مسؤولياتهم وبقدر ما يحمل الإنسان من صفات الطفولة في سلوكه وتعامله يكون الضرر للموقع الذي يشغله. هذا جانب، أما الجانب الآخر المؤثر في حياة الإنسان هو طريقة التعامل معه في تنشئته، فهذا موظف كبير كان أبوه من الجهل والغفلة والطمع بحيث كان يدفعه للتسول فصار الولد «منفلتاً» رغم ذكائه وفطنته، لكنه لم يجد من يضبط سلوكه ولم يجد من يزرع في نفسه قيم العزة والكرامة في طفولته، ثم هو اليوم مسؤول كبير، رتبته كبيرة ودرجته الوظيفية مرموقة لكن نفسه وضيعة، تقييمه لنفسه متدنٍ فهو ما زال يتذكر أنه كان يتكفف الناس بالأمس فلماذا لا يتكفف اليوم مستغلاً وظيفته ورتبته وموقعه الكبير في إرسال خطابات يتملق فيها ويداهن وينافق ويمسح أو يتمسح دون أن يشعر بمقدار ذرة من الخجل أو الحياء..!! وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه. فلا عجب إذا وجدنا رجالاً يحملون عقولاً حَادَتْ عن مسارها الطبيعي لتبدو أقل كفاءة من المنصب أو الرتبة التي تشغلها حتى وإن حملوا شهادات دراسية عالية المقام، لكن بصمات طفولاتهم تبدو واضحة المعالم على سلوكياتهم ونفسياتهم وأخلاقهم، ومن أراد أن يعرف الخلل في حياة الزوجات أو الأمهات أو الموظفات أو المسؤولات في أعلى أو أدنى درجات السلم الوظيفي فليرجع إلى طفولتهن كيف كانت؟ فالقليلات منهن هن اللاتي يستطعن معالجة جراحات الطفولة، فيبرأن منها بدرجات تتفاوت من امرأة إلى أخرى، أما الكثيرات فإن نشأتهن تكون مثخنة بالجراح فيحملن تلك المعاناة إلى مواقعهن في البيت أو المدرسة أو الوظيفية.. خصوصاً تلك الفتيات اللاتي تعرضن لطفولة مغلوبة على أمرها، جعلت طفولتهن كلها نكد في نكد، عشن القسوة وتذوقن الشدة في كنف أمهات مقهورات أو جاهلات أو متخلفات أو في كنف بيوت مهدمة أو آيلة للسقوط أو ما شئت من ظروف البؤس والشقاء التي يصنعها الناس ليكتووا بنيرانها.. وكلما أنبت الزمان قناة تركب المرء في القناة سنانا. وبعد أن فرغت من قراءة هذا المقال يحق لك أن تسأل نفسك عن كمية ما بقى في نفسك وتفكيرك وسلوكك من بقايا الطفل في داخلك، وكم بقى من هذا الطفل في سلوكيات من عرفتهم وتعاملت معهم أو معهن؟!!