جميعا نسعى للحصول على طفل سوي، ولكي نصل إلى هذه النتيجة لابد أن نتأكد أن كل مرحلة نمو مر منها الطفل بسلام، وهنا لابد أن ندرك أن لكل مرحلة خصائص، خصوصا في المرحلة من 3 إلى 6 سنوات هذه هي المرحلة الحرجة التي يتعلم منها الطفل الأساسيات في الحياة، مع ملاحظة بسيطة أن مرور مرحلة دون أن ننتبه لها ليس معناه أن الفأس وقعت في الرأس وأننا لا نستطيع إصلاح ما فسد، المهم في هذا الموضوع أن نضع أيدينا على مكامن الخطر في هذه المراحل العمرية. فمرحلة الطفولة المبكرة، تعد من أهم المراحل التي تؤثر في تكوين شخصية أبنائنا حيث ينمو خلال تلك المرحلة وعي الطفل باستقلاليته ويصبح خلالها أكثر تلقائية وتحررا، لذلك فإن الرغبة في التحدي والسيطرة من قبل الطفل وكثرة الحركة والعناد والأسئلة الكثيرة ما هي إلا سمات طبيعية يحاول الطفل من خلالها أن يؤكد قدرته على الاستقلال تحقيقا لذاته. وتقول الدكتورة زينب شريف استشاري العلوم السلوكية والأخلاقية وخبيرة التربية والتنمية البشرية: إذا استطعنا تفهم متطلبات مرحلة الطفولة المبكرة سوف نضمن تحقيق النمو العقلي والنفسي للوصول إلى مرحلة الطفولة المتوسطة . خلال مرحلة الطفولة المبكرة أي من سن ثلاث إلى ست سنوات عندما يشعر الطفل بالنجاح في إنجاز أي عمل بمفرده، على سبيل المثال القيام بفتح باب المنزل أو إصراره على ربط حذائه بنفسه، فهو هنا يشبع احتياجه في تحقيق ذاته ويؤكد قدرته على الاستقلال. ومن هنا تأتي أهمية مساعدة الطفل وتشجيعه على تحقيق هذا الإشباع حيث إن كبت الطفل ومنعه من القيام ببعض الأعمال التي يصر على أن يقوم بها بنفسه سوف يعرقل النمو المطلوب تحقيقه خلال تلك المرحلة وبالتالي سوف يكون التأثير سلبيا على المرحلة العمرية التالية. وتفسر الأستاذة زينب بهذا أسباب نضوج شخص ما إذا ما قورن بشخص آخر أكبر منه سنا.. وتضيف أن من أهم خصائص مرحلة الطفولة المبكرة النمو المعرفي واللغوي والانفعالي والاجتماعي. لكل خاصية بعض السمات التي لابد أن نتفهمها حتى نستطيع التعامل معها بشكل سليم يساعد الطفل على النمو الصحي السليم. النمو المعرفي التعرف على الأشياء والأسماء أهم سمات هذه المرحلة، يبدأ إدراك الطفل خلال تلك المرحلة العمرية في تكوين بعض المفاهيم مثل مفهوم المكان والعدد وتزداد أسئلته بشكل كبير مما يدفع بعض الأمهات إلى وصف طفلهن بالطفل الحشري. في واقع الأمر الطفل ليس حشريا بالمرة ومن الظلم ألا نتفهم أن ازدياد فضوله من خلال أسئلته ما هو إلا سمة طبيعية وصحية لتلك المرحلة، ومن خلال الاستجابة لأسئلته يزداد إدراكه العقلي،وتضيف قائلة إن تفكير الطفل خلال هذه السن يتمحور حول نفسه ولا يستطيع أن يدرك وجهات النظر الأخرى ويتسم بالمبالغة والخيال كما أنه لا يستطيع تقييم بعض المفاهيم ولا يستطيع الاستنتاج بشكل منطقي حيث إن العمليات العقلية العليا لا تكون قد وصلت لحد النمو الذي يستطيع معه إدراك المنطق بل يعتمد في تفكيره على الأشياء الحسية ويكون تفكيره متمحورا حول نفسه. وتقول د. زينب إن هناك سؤالا عند بعض الأمهات: كيف أساهم في تنمية مدارك الطفل معرفيا ؟ والإجابة تأتي في عدة خطوات: -تشجيع الطفل على توسيع مداركه من خلال الإجابة على كل أسئلته وتبسيط المعلومات المقدمة له من خلال استخدام مزيج من الخيال مع الواقع في نقل المفاهيم التربوية (الرسوم المتحركة أو الكارتون يساعد على توصيل المعلومة وتبسيطها). 2 -التركيز على الشرح الحسي (استخدام الحواس في الشرح) وليس الاستنتاج المنطقي. وتقول إن ثمة مشكلة تبرز في هذه المرحلة وهي النمو اللغوي حيث يزداد النمو اللغوي من تحصيل الفهم والقدرة على التعبير خلال تلك المرحلة ولذلك نجد أنه كلما ازداد الحوار بين الأم وطفلها خلال تلك المرحلة ازداد النمو اللغوي لدى الطفل. ويجد الطفل نفسه قادرا خلال تلك المرحلة العمرية على أن يعبر ويوصل مشاعره للآخرين وبالتالي تزداد رغبته في السيطرة وهذا أمر طبيعي وصحي. تقليد الطفل ومحاكاته لمن حوله ما هو إلا تمهيد للنمو اللغوي ووسيلة للتعبير عن ذاته. وتقول إن تنمية النمو اللغوي تأتي في عدة خطوات: - الحوار مع الطفل حيث يتأثر النمو اللغوي بالمجتمع الذي يحيط بالطفل لذلك لابد أن نعي أن الطفل يتأثر بمن حوله بلهجتهم ونطقهم ومستواهم الثقافي، فلنكن مثالا يحتذى به لغويا.فضلا عن أن القراءة اليومية للطفل تساعده على النمو اللغوي السليم . النمو الانفعالي تنمو لدى الطفل خلال مرحلة الطفولة المبكرة مشاعر متباينة وانفعالات شديدة كالغضب والحب والكراهية والخوف والغيرة وردود أفعال تتسم بالمبالغة.. وتتسم شخصيته بالتذبذب ويمر بمخاوف لها عظيم الأثر علي شخصيته وسلوكياته. تفهم الأم لهذه المشاعر التي يمر بها الطفل يساعدها حتما في التعامل معها بشكل سليم يساعد الطفل علي تجاوزها دون أن تترك أثرا سلبيا علي شخصيته فيما بعد. 1 -الخوف: لا يستطيع الطفل خلال تلك المرحلة أن يفرق بين الخطر الحقيقي والوهمي فهو يتوهم أشباحا ويخاف من الظلام، والتخيل يلعب دورا في ترسيخ مشاعر الخوف لدى الطفل فهو من يخلق مخاوفه بنفسه. كما أن الطفل أيضا يكتسب مخاوف من يحيطون به فهو يتعلم الخوف ويكتسبه من المنزل. كيف نتعامل مع مشاعر الخوف لدى أطفالنا؟ لابد أن تكون الأسرة هي مصدر الحقائق العلمية السليمة للطفل, كما أن للأم دورا مهما في شرح وتوضيح ماهو خيال وماهو حقيقة حتى يستطيع التفريق بينهما وبالتالي نحد من مشاعر الخوف داخله. 2 - القلق: السلوك العدواني والرغبات الاتكالية لدى الطفل، من أبرز السلوكيات التي تشير إلى شعوره بالقلق، فهو يحاول جذب انتباه الآخرين له واستجداء المساعدة في مواقف غريبة وغير مألوفة. فقد أظهرت بعض الدراسات أن ظروف علاقة الوالدين بالطفل تؤدي إلى تضخم ذلك الشعور بالقلق داخله، فعدم الثبات على مبدأ واحد في المعاملة بمعنى أن ما يسمح به اليوم قد يمنع في الغد بالإضافة إلى المطالب غير الواقعية (فوق مستوى قدرات هذه المرحلة السنية) من الطفل والتي يترتب عليها فشله في تلبيتها ومن ثم توبيخ وإهانة جارحة وعقاب صارم من قبل الأهل.. مثل هذه السلوكيات تضخم شعور الطفل بالقلق وبالتالي تعرقل النمو الصحي النفسي السليم. أرى أن بعض الآباء للأسف يفرغون إحباطاتهم في أطفالهم وهم بذلك يشاركون في هدم شخصياتهم بدون وعي منهم وتؤدي مثل هذه الممارسات ليس فقط إلى تأخر نمو الطفل بل إلى تطور ونمو نفسي غير سوي يعرقل الطفل عن مزاولة نشاطه بشكل إيجابي وفعال. كيف نتعامل مع شعورالقلق الذي يصيب أطفالنا؟ لابد أن نعي جيدا حدود قدرات الطفل في هذه المرحلة كي لا ننزلق إلى تحميله ماهو فوق طاقته الذهنية وقدرته الاستيعابية. وعلى سبيل المثال: الطفل خلال مرحلة الطفولة المبكرة لا يستطيع أن يتصور ماهية مفهوم المسافة فلا ينبغي أن أطلب منه أن يقطع الطريق للجهة المقابلة وأوبخه لأنه لم يستطع تقدير مدى قرب السيارات منه، شعوره بالقلق يكون نتيجة تحمله لعبء فوق طاقته وقدرته. 3 - الغضب: نوبات الغضب التي قد تصيب أطفالنا ما هي إلا ظاهرة طبيعية خلال تلك المرحلة،فالطفل ببساطة يشعر بالإحباط والغضب عندما يواجه عقبات تمنعه أو تعوقه عن تحقيق دوافعه وهذا أمر صحي. كما أن نقد الطفل وتعرضه لأوامر عديدة دون مناقشة أو حوار وتقييد حريته وحرمانه من الاهتمام والرعاية يصيبه بالإحباط والغضب. كيف نتعامل مع نوبات الغضب؟ مواجهة الغضب بصراخ وغضب أكبر يعتبر من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الآباء دون وعي، كما أن التأنيب والمعاقبة بغرض السيطرة على غضب الطفل لا يفيد بل يزيد من غضب الطفل. لابد أن يتحلى الأهل بالهدوء في التعامل مع غضب أبنائهم، فلنتقرب من الطفل في حالة غضبه بهدوء وروية ونعمل على تهدئته أولا ونتعامل بحب ومرونة شديدين. -4 الغيرة: يشعر الطفل بالغيرة الشديدة إذا ما طرأ شيء يهدد مكانته لدى والديه أو يشعر بالتنافس على العلاقة العاطفية معهما كاستقبال طفل جديد في الأسرة مثلا. السلوك العدواني هنا يكون رد الفعل التلقائي من الطفل في محاولة منه لاستعادة تلك المكانة التي يشعر بأنه فقدها وأما إذا أصيب بالفشل نجده يتجه إلى سلوكيات ليجذب بها انتباه والديه كمص الإبهام أو التبول على سبيل المثال. هل يشعر طفلك بالغيرة؟ - لا بديل هنا عن إعطاء الطفل كل الاهتمام والرعاية اللازمين ليشعر بالأمان وأن مكانته لدى والديه لم تتغير أبدا، فإن العمل على تعزيز شعوره بالانتماء للأسرة سوف يساعده على التغلب على غيرته، على الأم أن تهيئ طفلها لاستقبال طفل جديد بالحديث معه عن أخيه الذي سوف يأتي قريبا وتشوقه لمجيئه، ثم تعزز لديه مفهوم أن لكل طفل مكانته لدى والديه. 5 العدوان: عندما يكتسب الطفل سلوكا عدوانيا فلنتأكد أن هذا السلوك ما هو إلا رد فعل لمواقف عديدة، إما أنه يشعر بالإحباط والفشل أو يشعر بالعجز والقصور عن تحقيق غرض معين أو أنه محروم من تحقيق رغباته وإما أنه سلوك مكتسب لما يراه حوله. وفي كل الأحوال فهو دلالة على أن الأمور تسير في مسار غير صحيح. كيفية التعامل مع الطفل العدواني؟ إذا لم يكن السلوك العدواني للطفل سلوكا مكتسبا إذا لابد من الوصول بمشاعر الطفل إلى القدر الكافي من التشجيع والحنان فإن حدوث خلل في إشباع حاجة الطفل للتقدير والاحترام والتشجيع والحب والاهتمام يؤدي حتما إلى اكتسابه للسلوك العدواني. النمو الاجتماعي تلعب الأسرة دورا أساسيا في التنشئة الاجتماعية وتشكيل حياة الطفل النفسية ومن ثم تفاعله مع بيئته بشكل سوي، فإن العلاقات الاجتماعية تحدد معالم السلوك الاجتماعي. كذلك المحاكاة أو التقليد حيث يجد الطفل متعة في تقليد والديه وتنمو قدرته على تكوين صورة ذهنية والتقليد يلعب دورا في تنمية مهاراته اللغوية واكتسابه بعض السلوكيات الاجتماعية والتماهي بمعنى تقمص هوية أحد الوالدين.