بصورة لافتة وغير مسبوقة اهتمت وسائل الإعلام الأمريكية والدولية بفوز باراك أوباما بالانتخابات الرئاسية الأمريكية ولم يُفوت الإعلام العربي هذه الفرصة فأشبع الموضوع دراسة وتحليلاً بحثاً عن أمل في إدارة أمريكية تتفهم الهم العربي. هذا الاهتمام لم يكن بسبب أن أوباما فاز برئاسة أكبر دولة في العالم، الدولة التي تتحكم بكل مفاصل النظام الدولي العسكري والاقتصادي والإعلامي، بل لأن هذا الفوز جاء ليحقق اختراقات لحواجز وموانع اجتماعية واقتصادية في الولاياتالمتحدةالأمريكية ولأن العالم كان يتطلع لليوم الذي يتخلص فيه من الكابوس الذي شكله الصقور داخل الإدارة الأمريكية والتي جرت العالم إلى مآسٍ وكوارث بدءاً من الحرب التي شنتها أمريكا على ما تسميه الإرهاب وحددت لنفسها خصماً وحشدت لأجله تحالفاً دولياً وهاجمت حركة طالبان الحاكمة لأفغانستان في حرب بدأت في 1002م والمؤشرات توحي أنها لن تخرج منها إلاَّ كما خرج منها الاتحاد السوفيتي السابق. العراق كانت المحطة الثانية لتلك المغامرات فكان مليون عراقي هم ضحايا هذه المغامرة والآلاف من الجنود الأمريكيين والبريطانيين هم المحرقة التي حققت لهذه الإدارة أطماعها الاقتصادية كما أن النزاعات الطائفية وجدت لها متنفساً بفعل تغذيتها من قبل إدارة الاحتلال لتدخل في اقتتال داخلي لم تشهده العراق على مر تاريخها وأخلت بالتوازن الطائفي داخل العراق،ومن ناحية أخرى أخلت بالتوازن العسكري الاستراتيجي في المنطقة لصالح إيران وإسرائيل.. الكابوس الذي أرق العالم وجعل أصدقاء الإدارة الأمريكية يتمنون زوالها قبل خصومها هو الأزمة المالية التي بدأت أمريكية لسحب نفسها بآثارها الكارثية على مختلف دول العالم. فوز أوباما خدمته الأحداث وخدمته تقاطع المصالح وما كان له أن يحصل لو كانت أمريكا في ظروف طبيعية أو كانت الإدارة الأمريكية الحالية لم ترتكب كل هذه الأخطاء، لذلك فحركة التغيير وضرورته قد بدأت قبل فوز أوباما فالتغيير هو من جاء بأوباما ولانتوقع أن يأتي أوباما بالتغيير بصورة أبعد مما رسمته حركة التغيير التي بدأت. أمريكا تحكمها الشركات والمصالح الاقتصادية التي بدورها تتحكم بالمؤسسات الإعلامية صانعة العقول أو المتلاعبة بالعقول وصانعة الرأي العام،هذه الشركات التجارية وجدت نفسها أمام أزمة قد تنهي دورها المؤثر في الاقتصاد العالمي وهو ما سينعكس على نفوذ وتفوق الولاياتالمتحدةالأمريكية عسكرياً وهو ماسيؤدي إلى انتهاء حقبة القطب الأوحد ودخول أقطاب جديدة تؤثر في السياسة والاقتصاد الدولي. رؤية هذه المؤسسات كانت ذات بعدين، بعد اقتصادي وبعد سياسي مطعّم اجتماعياً، البعد الاقتصادي يتمثل بإعادة الدور للاقتصاد الأمريكي في الهيمنة على الاقتصاد الدولي بعد أن وجد الاقتصاد الصيني والروسي والهندي والبرازيلي طريقه للتفوق وسحب البساط من الاقتصاد الأمريكي وإعادة هذا الدور تتطلب إعادة الشركات الأمريكية للتواجد بقوة في الساحة الاقتصادية الدولية وإيقاف تغلغل الشركات المنافسة في المناطق الواعدة اقتصادياً، فكانت أفريقيا هي ساحة الصراع الأمريكي الصيني وتمثل الصراع بصورته الحادة استخدام الصين لحق النقض الفيتو ضد القرار الذي تبنته أمريكا وبريطانيا ضد زيمبابوي وانفتاح أفريقيا أمام الشركات الصينية بصورة كبيرة. نظرة صانعي السياسة الأمريكية جاءت على أساس أن أوباما بأصوله الأفريقية أقدر على تحقيق اختراقات لهذا الحاجز وإعادة أمريكا إلى أفريقيا اقتصادياً وهو ماسيحقق للاقتصاد الأمريكي تفوقاً مميزاً على الاقتصاديات الأخرى لما تمثله أفريقيا من أرض بكر للاستثمارات. البعد الآخر السياسي الاجتماعي تمثل بالتأكيد على أن أمريكا دولة المبادئ والديمقراطية والحرية، لأن فوز أوباما ذي البشرة السوداء والأصل الأفريقي المنحدر من أب مسلم يحمل دلالات أن المجتمع الأمريكي وصل إلى ذروة التجانس الاجتماعي وأن النظرة العنصرية أو الدينية انتهت مما يجعل من هذا المجتمع أنموذجاً يحب الاقتداء به ويجعل من أمريكا قبلة للشعوب المتطلعة للديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية وهي في الأخير رسالة للعالم أن أمريكا مازالت تقود القيم العظيمة بالمفهوم الأمريكي. الحماس المفرط بالتفاؤل بفوز أوباما على صعيد حلحلة القضايا المزمنة في الشرق الأوسط هو «عشم إبليس بالجنة» لأن صانعي السياسة الأمريكية وضعو اخطوطاً حمراء أمام أوباما كان أول نتيجة لهذه الخطوط هو تعيين كبير موظفي البيت الأبيض إسرائيلياً، أبوه ممن شاركوا بالمجازر ضد الفلسطينيين قبل 8491م ولن تحلحل قضايا الشرق الأوسط إلا قدرة السياسيين العرب على معرفة مكامن الخطر على المصالح الأمريكية والضغط من خلالها لتحقيق الحد الأدنى من المصالح العربية واستعادة الحدود الدنيا من الحقوق المهدورة.