هناك العديد من الأصدقاء مازالت حبال المودة بيننا موصولة.. وهناك آخرون وهم الأكثر عدداً بعُدت الشقة بيننا وبينهم، فقد شاءت ظروف الحياة ولا نقول قسوتها وشدتها أن ينأى كل منا عن صاحبه.. ابتعدت الأجسام والمنازل وأقفرت الديار عن أسرٍ بكاملها كانت تملأ العين والمكان إلى حيث نعلم مستقرها أو لانعلم، فالبعض لم يعد أي منا يعلم شيئاً عن صاحبه بسبب الغربة عن الديار، طلباً للمعيشة وبحثاً عن الأرزاق أو بسبب الاغتراب الذي يجعل الإنسان غريباً محصوراً أو مغترباً في وطنه عينه، عندما تتكالب عليه هموم الحياة وصنوف العاديات أو تتنكر له الأيام أو يغدر به الأصدقاء، أو يخيب ظنه بالزمان والمكان.. هناك من الأصدقاء من لايغيب أبداً عن القلب.. وكيف يمكن أن يغيب عن ذاكرة الإنسان مَنْ كانوا يشيعون بيننا فرحة الابتهاج بالحياة فنتعلم منهم معنى القناعة والرضا بالقسمة التي قسمها الله تعالى بين عباده وعلمونا أن الفقر أو شدة الحياة وقسوتها ليس عقاباً من الله تعالى كما يظن الكثيرون.. بل قد يكون في ذلك رحمة يجريها سبحانه وتعالى، ليس فقط للاختبار والتمحيص والابتلاء، وإنما أيضاً للتربية والتدريب على تحمل المشاق.. وكانوا يضربون لنا المثل تلو المثل لترسيخ القناعة في نفوسنا وترسيخ الثقة بالله سبحانه وتعالى.. فقد سمعنا منهم أن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لايحب، أما الآخرة فلا يعطيها إلا لمن يحب، ولايعني ذلك أن يكسل الإنسان ويعيش حياة الخمول بل عليه أن يسعى سعياً متواصلاً بكل مايملك من طاقة وقدرة ليس فقط قدرة بدنية وإنما أيضاً قدرات عقلية وإبداعية تؤهله أن يتحول عن حياة الفقر إلى حالة اليسر والغنى إن شاء الله له ذلك. تعلمنا من أمثال أولئك الأصدقاء معنى العزة الحقيقية التي إن استقرت في القلب نستعلي بها على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله.. عزة نستعلي بها على شهواتنا، ومتى استعلى الإنسان على نزواته وأهوائه، فلن يملك أحد من الناس وسيلة لإذلاله أو قهره.. فإنما تذلّ الناس شهواتهم ورغباتهم وأطماعهم: هذه بطاقة تهنئة بالعيد السعيد نزفها ليس فقط لأصدقائنا الذين جعلونا نتذكرهم لمحاسنهم في القدرة على التأثير أو لجميل سلوكهم ودماثة أخلاقهم بل نزف هذه التهنئة لكل أولئك الأصدقاء الذين لم يتركوا أي أثر من أي نوع إلا وكانوا يشاركوننا حلو العيش ومرّه ويقتسمون معنا تجهم الحياة أو ابتسامتها.. إليهم جميعاً حاضرهم وغائبهم باقة التهنئة هذه، وإذا كنا قد ذهبنا بعيداً في تقديم هذه الباقات من التهاني لأولئك الذين لم يبق من التواصل معهم إلا ذكرى عطرة وفاء للمودة من جانبنا واستحقاقاً للمروءة، فإنه يتعين علينا من باب أولى تقديم هذه البطاقات من التهاني لكل الإخوة والأصدقاء الذين يتواصلون ونتواصل معهم حيثما كانوا في مكاتبهم وأشغالهم، في خلوتهم وتجمعاتهم.. بداية بقراء «الجمهورية» أو أي صحيفة أو مجلة نضطر قراءتها نحن الذين يتعاطون الكتابة في الصحف والمجلات أن يتجشموا عناء القراءة- مع أن القراءة فضيلة وليست نقيصة كما يظن البعض ويمكن اعتبار القراءة ومتابعة أفكار الآخرين ورؤاهم والتعرف على مواقفهم إشارة نضج وكمال في الإنسان والعكس هو الصحيح، أما مسألة أن الناس يفرحون ويبتهجون أو يضيقون ذرعاً ويسخطون بما يكتب الكتاب فهذه مسألة أخرى.. فالكاتب أي كاتب لابد أن يكون له هدف وتكون له رسالة، وليس منهم من يريد أن ينغص على قارئه عيشته بل الكل يسعى لإرضاء قرائه، ولكن لايكون ذلك على حساب المبدأ أو الاتزان والرصانة، فالكاتب إذا لم يستشعر فيما يكتبه ثقل الأمانة وعظم المسئولية فلاحاجة للناس فيما يكتب.. وإلا بالله عليكم ماقيمة كلمة أو صورة ترتب على وجودها مسخ قارئ عن جادة الصواب أو كانت سبباً في انحراف أحد النشء فهوى إلى مزالق الضياع!! فكم من كلمة كانت عبثاً وكم من صورة كانت مفسدة وضياعاً، وكل ذلك باسم الفن والثقافة ومراعاة الأذواق، مع أن الجميع يعلم أن أهم رسالة للصحافة خصوصاً في بلادنا العربية والاسلامية هي رسالة تربوية توجيهية تصلح أن تكون حاجزاً وطنياً وثقافياً ضد الغزو أو الاختراق الثقافي العالمي وليست بوابة مفتوحة لكل ما هب ودب من هذه الثقافات. أقدم أجمل باقات التهاني لصحيفتنا العزيزة وكل العاملين فيها من الرئيس إلى الغفير، ولأن إعداد هذه البطاقات المعطرة قد تزامن مع خطاب الأخ الرئيس في محافظة أبين فقد رأيت الاستفادة من توجيهات الأخ الرئيس في اختيار ثلاث بطاقات ذكرها الأخ الرئيس في خطابه وهي: أهمية الثقة بالنفس وبالآخرين، وأهمية المصالحة بين أفراد الوطن الواحد، واستتباب الأمن والاستقرار.. وهل يصلح عيد دون أن يثق الناس بأنفسهم وبإخوانهم في كل الحقول والمواقع، هل يصلح العيد والنفوس مشحونة بأنواع الغل والغيظ والحنق؟.. وهل يصلح العيد إلا في ظل الأمن والاستقرار؟ شكراً للأخ الرئيس.. فقد كانت إضافات أعطت نكهة مميزة لبطاقات التهنئة بالعيد السعيد.