الحمد لله الذي أنعم علينا بالعيد، نحمده تعالى ونشكره ونسأله المزيد، والصلاة والسلام على نبينا محمد المتفائل بالخير في كل حدث وإن عظم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: أما بعد: لقد اعتاد بعضُ الناس أن يذكروا الجانبَ السلبي للناس في العيد، وما يحصل منهم من منكرات وأخطاء وحماقات، يكثرون من جلد الذات والنظر إلى الشق المظلم من أفعال بعض الناس في العيد، ولكنني في مقالي هذا سأتحدثُ عن وجهٍ مُغاير، وأركز الحديث فيه عن الوجه المضيء المشرق للناس في العيد، عن محاسنهم وعاداتهم الحميدة، وأخلاقهم وتصرفاتهم الجميلة الراقية أثناء العيد، فإنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس، وقد كان قدوتي وإمامي رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبرز محاسنَ الناس، ويثني عليها، ويشجعهم على فعل الخيرات، والتمسك بمعالي الأخلاق وحسن الشيم، وإذا أخذنا جانباً من ذلك في تلقيبه الصحابة رضي الله عنهم بالألقاب العظيمة المشجعة: فهذا الصديق وذاك الفاروق، وثالث تستحي منه الملائكة، ورابع أقضاهم، وخامس أمين هذه الأمة، وسادس حواريّه، وسابع:هذا خالي فليُرني كلٌ خاله، وثامن أعلم الناس بالحلال والحرام، وتاسع سيد الأنصار، وهذا سيف الله المسلول، وهذا أسد الله وأسد رسوله…وهكذا دواليك؛ ليدفعهم إلى العمل، ويحثهم على التسابق والتنافس في الخيرات، ونادراً ما قال: بئس الرجل فلان، أو ما بال أقوام. إنه لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تحطيم همم الرجال، ولا التشاؤم من الأفعال أو الأقوال، بل كان يحب الفأل ويعجبه، ويتفاءل كثيراً، ومن قرأ سيرته رأى العجائب من تفاؤله صلى الله عليه وسلم في أحلك الظروف وأشدها وأصعبها على المسلمين. وقد ذكر عن أحد قادة الجيوش أنه كان قبل أن يدخل المعركة، يجمع جنوده ويأتي بعملة من نحاس ويقول لهم اختاروا الوجه الذي تريدون، فالوجه الفلاني يدل على النصر، والآخر على الهزيمة، فيختارون الذي يدل على النصر فيطلع هو ثم يدخلون المعارك فينتصرون، فلما كبُر سنه أراد من ابنه أن يخلفه بعد أن علَّمه فنون القتال، وأعطاه العملة، فلما رآها الابن غضب وقال: إن العملة تحمل نفس الوجه في المكانين! فكيف تكذب على الناس يا أبي، قال: هكذا يساس الناس. فالفأل فيه تقوية للعزم، وهو باعث على الجد، وفيه معونة على النصر. ومن باب الفأل والتشجيع على المحافظة على هذه الأخلاق الحميدة في العيد، وإبراز محاسن الناس والثناء عليها بالعدل كان هذا المقال؛فإن الأمة مهما وجد فيها الفساد، وتلبست بانحرافات وأخطاء إلا أن هناك إيجابيات كثيرة، وخصال حميدة أخذتها عن هذا الدين العظيم، وعن السلف الصالحين. فمن تلك المحاسن والإيجابيات: 1- كثرة الزيارات والتواصل وبر الوالدين وصلة الأرحام، فنجد الناس يزور بعضهم بعضاً، ويعاود بعضهم الآخر، يجتمعون في أحيان كثيرة في أماكن خاصة من مساجد وبيوت لتبادل التهاني وعواد العيد، وهذا مما يؤلف القلوب، ويُشيع المحبة في المجتمع المسلم، ويزيده تلاحماً وترابطاً وتعاوناً، وهو مما أمر الله تعالى به في كتابه العظيم فقال جل ذكره: { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } وقال تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى } أي: أحسنوا إلى الوالدين وذوي القربى إحساناً. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أحبُّ الأعمال إلى الله: إيمانٌ بالله، وصلة الرحم ) رواه أبويعلى وحسنه الألباني، وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: ( صلةُ الرحم، وحسنُ الخلق، وحسنُ الجوار، يعمرْن الديار، ويزدن في الأعمار ) وقال صلى الله عليه وسلم: ( صلة القرابة مثراةٌ في المال، محبةٌ في الأهل، منسأةٌ في الأجل ) رواه الطبراني وصححه الألباني، ومن العادات الحسنة أيضاً أن يتصدق الرجل على أرحامه وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة ) رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني. ومما يحصل أيضاً إذا كان ذو الرحم بعيداً تبادل التهاني برسائل الجوال والأجمل الاتصال بهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( بِلُّوا أرحامكم ولو بالسلام ) والحديث في السلسة الصحيحة، وقد أحسن من قال: عليكَ ببر الوالدين كليهما وبرِّ ذوي القربى وبرِّ الأباعدِ ولا تصحبَنْ إلا تقياً مهذباً عفيفاً ذكياً منجزاً للمواعدِ 2- هذه الأعمال بدورها تصفي القلوب وتذهب الإحن والشحناء، وما أحرانا ونحن في أيام العيد أن نصفي قلوبنا للمسلمين، ونتخلص من الأحقاد والضغائن والحسد، ما أحرانا كما نغتسل في العيد ونلبس ثياباً جميلة أن نغسل قلوبنا من تلك الأمراض ونجمل قلوبنا ونهذبها، وإلا إن لم نصطلح في العيد ونلتقِ فمتى نلتقي ونتصافى؟!، والعيد فرصةٌ للمصلحين ليصلحوا ذات البين ويقربوا بين المتخاصمين وهو من أعظم الأعمال عند الله عز وجل. 3- من المحاسن أيضاً صيامُ الست من شوال، فإنك لا تكاد تجد بيتاً وإلا ويصوم فيه أحد في الأعم الأغلب والله أعلم؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) رواه مسلم؛ واحتساباً لذلك الأجر الكبير. إن هذه المحاسن هي جزء من كثير من الأعمال الفاضلة التي يقوم بها الناس في العيد، وهي غيضٌ من فيض، والحليم تكفيه الإشارة، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، وقد قال الله تعالى: { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، والله تعالى أعلى وأعلم.