مشكلة المقاومة في العراق أنها تفتقر إلى الوحدة في الهدف والأسلوب مما يفقدها قوة الدفع الرئيسة في مقارعة المحتل وانتزاع الحقوق المشروعة.. أجندة المقاومة غير واضحة، وأطرافها ملتبسة بفرقاء الساحتين الداخلية والإقليمية ممن لا يجمعهم جامع لا في الرؤية ولا في الأهداف، حيث تبدو المقاومة الأكثر تنظيماً وفعالية معزولة عن جماهيرها، فيما تتخبط الأشكال المهووسة بالخطاب الديني في أفعال وسلوكات تخدم مشروع الحرب وعرابيه. المقارنة المناسبة هنا نجدها في الحالة الفيتنامية التي اتسمت بوحدة الهدف.. وحدة الموقف وتناسق الوسائل.. فكانت مقاومة نبيلة بأساليب نبيلة أيضاً مما جعلها تكسر الجبروت الأمريكي؛ لأنها انتمت عميقاً إلى الشعب وتمتّعت بقيادتين روحية وعسكرية موحدة. بيئة العراق الحالية والمحتملة في المدى المنظور لاتسمح بالكثير من التفاؤل سواء لجهة استتباب الأمن أم تنشيط الاقتصاد أو الخروج من شرنقة التنافي العدمي بين فرقاء الميدان الواحد.. لذلك فإن كامل الرؤى والطموحات التنموية تصطدم بحقيقة بسيطة مفادها أن الاحتلال العسكري واستتباعاته الباهظة مهّد لحالة من الفوضى الشاملة التي تستعصي على السيطرة.. وإذا كانت البيئة السياسية والمؤسسية بهذا القدر من التفلت والانفلات فإن أي منظور للتنمية لن يجد المجال المناسب للحراك الفعال.. ويسري هذا الأمر أيضاً على المساعدات والاستثمارات الدولية. الحسابات الخاطئة تؤدي دوماً إلى النتائج الخاطئة.. فبالقدر الذي كان فيه حساب الإدارة الأمريكية خاطئاً في حربها الجديدة القديمة فإن النظام الراحل ارتكب أيضاً كثيراً من الخطايا والأخطاء سواء في حربه الأولى ضد إيران والتي جاءت بمثابة خدمة ناجزة لسياسة التقويض المزدوج للقوتين الفتيتين في الشرق الأوسط (إيران الخميني وعراق صدام) وكانت بهذا بمثابة الراصف لطريق سياسة الحصار المزدوج المعلنة من قبل الإدارة الأمريكية ضد البلدين معاً.. ثم كانت محنة غزو الكويت التي أنجزت ما تبقى من التوهان على دروب الأخطاء.. بالإضافة إلى سلسلة المصادرات المعنوية والمادية لقدرات وإمكانيات الشعب العراقي، مما أهّل النظام العراقي ليكون بمثابة النموذج الفولكلوري للاستبداد في العالم العربي.