لا تقاس قوة الإرادة بغير قدرة الانجاز، ولا قيمة لحجم أي رهان إن لم يأت من صاحب إرادة، لذلك عندما كان البعض قبل ثلاثة أعوام يُمني النفس بشباب على صهوات خيول، يتحلون بأخلاق الفرسان كنا نرى الأمر أشبه بحلم، والبعض منا قال : «كلام جرايد» ولم نكن واثقين أن ما قيل كان ضرباً من التحدي الشجاع، وآن الآوان لنعترف بأنهم كسبوا الرهان. قبل ثلاثة أعوام كانت الفروسية في اليمن لا تخرج عن وصفها العالمي «رياضة الاثرياء» وكان شباب كثيرون يحلقون خلف أسوار كلية الشرطة، والعيون يحتويها حلم امتطاء صهوة جواد ولو لدقيقة واحدة. ولم يكن يخطر ببال أحدٍ منهم أن هناك شاباً من أعرق القبائل اليمنية كان يحلم أيضاً ليس بأن يمتطي هو صهوة جواد، بل ان يجعل ركوب الخيل رياضة مشاعة لأبناء الفقراء إسوة بالاثرياء.. فمن يصدق ان بين الميسورين اليمنيين من يحيا بأحلام المحرومين !؟ عندما زرت الشيخ حاشد عبدالله بن حسين الأحمر في نادي الفروسية قبل أكثر من ثلاثة أعوام حدثني عن أحلام كبيرة يحملها للشباب اليمني من أجل استقطابهم إلى رياضة الفروسية، وكان يحثنا كصحافيين لغرس أخلاقيات الفرسان في نفوس الشباب.. وكنت أقف مذهولاً أمامه ليس فقط لانه أشبه بموسوعة تكتنز كل أسرار الخيول وتاريخها، بل لأن سؤالاً كان يحوم في رأسي هو : لماذا انشغل من هم بمنزلته بالتجارة وأسواق المال فيما هو ينفق المال على تعليم الآخرين رياضة الفروسية ؟ عرفت لاحقاً ان الشيخ حاشد الأحمر هو فارس أيضاً، وان الفروسية ليست «رياضة الاثرياء» كما هو مشاع بل «رياضة الرجال» لأنها تنمي في المرء الشجاعة، والايثار، والكرم، والتعاون، والتراحم.. بل أجزم أنها «رياضة وطنية» كون الفارس يعتز بالاصالة.. التي تنسب لها الخيول، ويعتز بالهوية.. إذ يحرص على معرفة أب وأم وأجداد الخيل التي يمتطيها.. وهي علاقة تقترب جداً من حرصنا على جذور شعوبنا الحضارية، وعمقها التاريخي.. وكان في ذلك جواب على سؤالي الذي شغل رأسي. أمس كان اختتام بطولة الفقيد العميد ركن محمد عبدالله صالح، في الفروسية وكم كانت مفاجأة للجميع ان نكتشف بأن الفرسان بعمر عشر سنوات وما دونها... وعندما رأينا مهاراتهم في المضمار تأكدنا بأن الشيخ حاشد قد كسب الرهان، وكان أول من يستحق التكريم.. فالفروسية التي كانت قبل ثلاثة أعوام حكراً على البعض صارت اليوم رياضة الجميع التي يتسابق عليها حتى الأطفال، والفتيات.. رغم علم الجميع بإمكانيات البلد، وبعقليات البعض ممن يرون ان الرهان على الفروسية ليست إلا «مقامرة خاسرة».. لأنهم يجهلون أن الفروسية يمكن ان تتحول إلى إحدى أدوات ترسيخ الهوية الوطنية اليمنية، فالاعتزاز بالخيل اليمني الأصيل هو اعتزاز بالوطن.. والاعتزاز بالخيل العربي الأصيل هو اعتزاز بهوية أمة ومثلما كان للعرب فضل نشر المعرفة في حقب سابقة، فإن كثيراً من دول العالم اليوم تتهافت على الخيول العربية وتشتريها بمبالغ خيالية بحثاً عن أصالتها العربية وامتيازاتها.. ربما على اليمن ان تحفظ للشيخ حاشد حقه التاريخي بأنه أول من أعاد الاعتبار للخيول والفروسية اليمنية، وأول من حمل الفروسية رهاناً لتعميق الهوية الوطنية في نفوس النشء والشباب اليمني.