إصدار جديد للدكتور عبدالعزيز المقالع بعنوان (مدارات ثقافية) وصلنا هذه المرة من (دار الصدى) بدبي وفي إطار سلسة الكتب الشهرية التي تصدر عن مجلة (دبي الثقافية) إحدى مطبوعات الدار، وقد بدأت هذه السلسلة منذ أمد قريب وساهم فيها كوكبة من أبرز القامات والأسماء الثقافية في العالم العربي، وكانت الثمرة الجديدة الناضجة حد الاستسبار المتأمل للدكتور عبدالعزيز المقالح ضرورة لوضع النقاط على الحروف حول جُملة من القضايا الإشكالية التي كانت ومازالت تعيد إنتاج نفسها في الساحة الثقافية العربية بكيفيات متنوعة، فتارة تبدو رصينة ومؤصلة، وطوراً بل غالباً، ماتبدو أكروباتية استنسابية مفعمة بلغو القول . جاء كتاب المقالح في الوقت المناسب خاصةً وأن كتاباً سابقاً من ذات الدار صدر للكاتب الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازي قبل شهر من صدور مدارات المقالح الثقافية، وكان كتاب الحجازي بعنوان (القصيدة الخرصاء) نسبة إلى قصيدة النثر، وكان الحجازي وكدأبه سجالياً إيقاعياً ومتصادماً مع جديد الشعر العربي الباحث عن تخوم الشعرية خارج الأزمنة الكلاسيكية المُتعارف عليها، وقد بدا الحجازي مُتّسقاً مع نفسه حد التنافي العدمي، وكان كالطُهرانيين الذي يتكسّرون باسم الحقيقة الواحدة الوحيدة، وهذ أمر غير منكور في تاريخ الأدب والفن، وليس الحجازي وحيد ذاته في هذ المضمار التاريخي الإنساني الموصول بالإبداع والتنظير معاً . قلت : إن كتاب الدكتور عبدالعزيز المقالح جاء في وقته وبدون تخطيط مُسبق..ذلك أن جُملة الفصوص التي انتظمت في مداراته المُوحية الرشيقة كانت مكتوبة سلفاً، وكانت تصب في مجرى التأكيد على رؤاه المُتصلة بذائقة إبداعية واستيعاب معرفي جمالي، ولهذا السبب كان (مدار الشعر) الذي يرى الشعر عصياً على التعريفات النمطية والإجرائية، وبالتالي كان زمن الشعر مُحايثاً لزمن الإبداع الذي يختزل (الزمكانية) في الدهر، والدهر هنا إبداع رؤية، وإبداع تحول وإبداع موسيقى كويية متجددة. أذكر أن المقالح كان قد اجترج قبل فترة مفهوم (الجديد والأجد)، وبهذا فتح الباب واسعاً أمام زمن الشعر المتصل بخوارزميات الإبداع وأنساقه الغنائية تجسيماً وتجريداً وموسيقى، وللحديث صلة..