تدخل الأرواح أحياناً في سُباتٍ شفاف لا يصل إلى درجة الموت ولا يرتقي إلى قمة الإحساس بالحياة.. فهو بين الحياة والموت ربما.. والتأرجح بين سكون الموت وديناميكية الحياة فترة لابد أن يمر بها الإنسان خلال مرحلة الحياة.. هذه هي الغفلة التي يسميها الكتاب العظيم بهذا المسمى.. وهي الفترة التي تسبق الإحساس بوجودنا ضمن هذا الكون الواسع، وهي الفترة التي نعيشها اليوم في ظل تغيرات سياسية واجتماعية قد تكون محورية سواءً كانت مركزية أو غير مركزية، ألقينا بدلو إحساسنا بها أو لم نلقِ؛ فهي موجودة ولم يعد بوسعنا إلا أن نجيد التأقلم مع أوضاع جديدة قائمة ربما يحمل بعضها في طياته عراكاً ثقافياً ساخناً.. لكنه يبقى مستهلكاً جامداً كونه مستورداً لم ينبع عن المجتمع ولم يرتكز على أسس فسيولوجية متحركة؛ إنما يعبر ويتكلم باسم مجتمعات وأحداث بعيدة عن هذا المجتمع كل البعد.. ولكن بما أننا على كوكب واحد ونسير ضمن مجرة واحدة وتشرق علينا كل يوم شمس جميلة واحدة.. بل وينير مساؤنا الأجمل قمر واحد فنحن إذاً قالب إنساني واحد لكن فقط اختلفت لدينا طرق القولبة. وربما نوع القالب الذي وُضعنا أو حُشرنا بداخله حشراً.. فبينما يكون قالب البعض حديدياً يكون قالب آخرين بلاستيكياً أو نحاسياً.. إلى درجة أن يكون فضياً أو ذهبياً أو ماسياً لدى أولئك الذين يظنون أنهم يحكمون العالم. إنما كل هذه القوالب مجتمعة قد تمنعك الرؤية والإحساس بالحياة، وتقطع بينك وبين عالم الأرض والسماء خيوطاً طويلة لابد أن نمسك بها حتى لا نقع فينكسر قالبنا ونرحل دون محيطٍ يحمينا.. لكن القالب الشفاف الذي ينبغي أن نحرص على مساحته حولنا هو الحل الأوحد لنبقى على بينة من الأمر.. حتى نستطيع الرؤية.. ونقدر المسافات بيننا وبين الآخرين. والأجمل أن قالباً من الزجاج يساعدنا أن لا نقذف الآخرين ولو بأزهار الربيع الجميلة...!. والأروع بل الأكثر فتنة أن ترى السماء عارية بنجومها وأجرامها وشمسها وقمرها وسحابها وأمطارها.. ترى الحياة بلا شبابيك.. تدلف إليها بلا أبواب.. تعيشها بلا جدران.. ألا نستحق هذا الشعور..؟ بدلاً من أن تدخل قلوبنا وأرواحنا في سباتٍ عميقٍ صيفاً وشتاءً.. خريفاً وربيعاً..؟!. إذا نحن أحوج ما نكون لشيءٍ من وضوح الرؤية.. وفرز الصادر الوارد مع الإبقاء على الأصل الذي هو فطرة الخلق وسنة الحياة.. وطبيعة الوجود.. لنغير إذاً تلك القوالب المعتمة التي وضعنا فيها رغماً عنا ونحن مكتوفو الأيدي.. ما يصير غرابة في ذهني هو إحساسي بأن ما أراه ليس هو الواقع.. إذ لديّ إيمانٌ راسخ أن هذا المجتمع مجتمع قوي جداً يستطيع فعل الكثير.. أكثر مما يفعله مجتمع سطحي في أبراج مشيدة قد تطال السحاب.. لكنها لا تطال السماء.. وأكثر أكثر مما نتصور من قوة مجتمعنا. إن قوته نابعة من ذاته.. سلاحه الصبر.. وذخيرته الحق.. وكل أهدافه مصوبة بسهم الوفاء لأرض هذا الوطن.