أجسادنا قوالب تستخدمها جوارحنا للتعريف بنا أمام الآخرين هذه القوالب رسائل تبليغ عما يدور في داخل الجسد من وقائع صحية أو نفسية .. أحداث فكرية أو جسدية. تلك التفاعلات التي تحدث داخل أجسادنا لها مظاهر تتضح بجلاء على صفحات وجوهنا وأجسادنا بشكلٍ عام، ولن نستطيع إخفاء ذلك مهما حاولنا لأن كثيراً من تحركاتنا تحكمها اللاإرادية بينما يحكم بعضها الإرادية , لكن بنسبة حضور فلسفية قليلة، هذه الأجساد تستفيد مائة بالمائة من هذه القولبة وهذا الاتجاه اللاإرادي والإرادي وتلك الفلسفة التي تميز درجة الاستيعاب للحياه من حولنا. وبحسب مايدخل إلى هذه الأجساد بقدر مايخرج منها سواء كان طعاماً أو شراباً..أو علماً نافعاً أو غير نافع.. فكثيراً مانجد في مجالسنا أحياناً بشراً بسطاء أصحاب حكمة رفيعة المستوى وآخرين بلغت التفاهة منهم مبلغاً عظيماً وهذا لم يأت صدفة إذ بحسب استفادتك من دروس الحياة وقدرتك على تفسيرها وإعطائها ما تستحق من الاهتمام تجدها فيما بعد خبرة معرفية متراكمة تؤدي خدمتها بوضوح في مواقف معينة وبالعكس إذا لم نلق لما حولنا بالاً ولم نحاول أن نتعلم بصدق وشفافية تصبح النتيجة عقولا خاوية من المعنى قليلة الإدراك، تحتار إيجاد ردات الفعل المناسبة تجاه مواقف الحياة المختلفة، إذاً علينا أن نحسن اختيار مانقرأ ومانتعلم، مانقول ومانفعل، مانكترث لوجوده ومايكون وجوده سيئاً على أفكارنا وشخصياتنا. نحن اليوم أمام جيل عريض لايهتم بما يقرأ بل ويصر على أن يرى أكثر مما يسمع ويقول أكثر مما ينصت لما يقوله الآخرون ويبحث في ذاكرته عن فراغ يملؤه بتفاهة الإعلام وبذخه المادي الذي لايعطي أهمية لنوع المعلومة وحجمها وأهميتها للناس بل ويعتمد التكرار للفت النظر متخيلاً ذلك المردود الهائل من آراء الناس حول مايقدمه من ألوان الكماليات المصممة خصيصاً للاستهلاك البشري. إنها تجارة.. والكثير يؤمن بمبدأ أن التجارة شطارة وأن الكسب المادي يحول جميع أدوات العطاء إلى أدوات أخذ إلى الحد الذي تصبح فيه كفتا الميزان متساوية بالنسبة للبيع والشراء وفقاً لنوعية المواد ومدى استهلاكها وكما أن أي منتج يسوق له ويعطى مساحة إعلانات واسعة ليبقى طويلاً في ذاكرة الناس كذلك للإنسان وسائل تسويقية عليه أن يجيدها ليصل سريعاً إلى قلوب الناس وهذا يفيد كثيراً في حالة البحث عن وظائف أو حالات التسويق للذات مع المهن التي تحتاج إلى ذلك النوع من الدعاية المشروطة الناجحة والتي تقدم الأفراد أمام الآخرين كمشروع ناجح له أرباحه المضمونة. ومن خلال هذا التسويق الفعلي للذات جاء التركيز على أهمية استخدام ملامحنا كبشر أو قوالبنا سالفة الذكر.. نعم فالمظهر الجيد،والكلمات المشبعة بالوعي، وحسن اختيار الألفاظ المعبرة عن حاجة المناسبة للكلام أو عدمه، والالتزام بالوقت كلها أشياء ضرورية جداً لتقديم أنفسنا أمام الآخرين،إهمال البعض لمظهرهم ليس له مبرر قوي، فراغ الذاكرة من الألفاظ العلمية والأدبية الهامة للحديث مع الناس، ضعف الخط والإملاء ، استخدام ألفاظ سوقية مادية أو معنوية أمام الآخرين قد تؤثر كثيراً في الحصول على وظيفة أو حتى مرتبة اجتماعية مرموقة في المجتمع.. النظافة الشخصية لها مدلولات عظيمة جداً مع الناس ؛ إذ ترتبط النظافة بالرُقي وحضور الحس الفني والأدبي وإمكانية التطور باستمرار وربما كان لها مدلول ديني عند من يهتم بتلك الناحية، وفي اعتقادي أن النظافة عالم مستقل من الجمال والبهاء وهو وسيلة عبور إلى قلوب الآخرين دون تأشيرة مسبقة! ولكم أن تقدروا كم تنفر النفس من كل قبيح وتنجذب تلقائياً إلى كل جميل نقي. ما يدور في الخلد أحياناً هو ما يظهر على الوجوه.. تماماً كما أن ما تلوكه الألسن من طعام هو ما يظهر فيما بعد على الجسد كصحة أو مرض،وإذاً يجب أن يكون الإنسان رقيباً على نفسه ولا يسمح لأن يكون هذا الجسد مجرد سلة مهملات متحركة وأيضاً خزنة مغلقة أو قناة مشفرة.. الجسد هو الجسد ليس له قوانين تحكم تقلباته.. مواسم تضبط انفعالاته وهو أيضاً لا يستسلم لمساحة فكر واحدة ولايعرف السيطرة التامة على كل ما يدور حوله أو بداخله،هو خلق عظيم ذو دقة متناهية ينبغي أن يعامل بطهارة فكرية وجسدية وروحية كبيرة جداً لأنه يقع في قمة الخلق والدليل أن الله تعالى قد سخر له السماء والأرض والنجوم والكواكب والرياح والبحار والأشجار والحيوان، كل شيء مسخر لخدمة هذا الإنسان الذي ينسى إنسانيته كثيراً ويتجاهل أسباب وجوده في هذه الحياة فهو يسير في قطيع التائهين حيناً ويتسلق جبال المعاصي مع الحائرين حيناً آخر.. يزحف نحو الخطيئة على بطنه وقد ميزه الله بعزيمة تهد الجبال، يسير حافياً من الأمان والطمأنينة وقد أنزل الله إليه ما يطمئن قلبه ويبعث السكينة فيه،لكن هي النفس لها أجنحة ، لكنها حبيسة الصدور لها فاه كممته ساعة الموت بعد ساعة الحياة لها جناب ووقار، لكن لا تظهر إلا في مواكب العطاء المميز ، نفس تتوق لكل شيء وهي حبيسة قفص،ولأن النفس البشرية تحمل الأنا كصفة أساسية في تركيبها الفسيولوجي فإن الحضور البارز صفة جُبلت عليها أرواحنا لأنها تريد أن تكون متبوعة لا تابعة.. وقلوب البشر مفاتيح لأرواحهم وفي فنائها عفونة وصدأ دمار للجسد بأكمله إذ إن صلاح الأجساد منوط بصلاح القلوب.. في كل نبضة للقلب ينتقل الجسد من حالة إلى أخرى لأن أرواح البشر في تقلب مستمر.. وحتى لا تبدو وجوهنا مثل أشرطة سينمائية خضعت لمقص الرقيب يجب ألا نتعلم من الحياة هذا التوهان والخوض حول الذات فالمسألة أبسط من ذلك بكثير.. وتأكدوا أن أي تعقيدات تطغى على حياة الإنسان تتسبب في إحداث ضبابية كبيرة جداً أمام أعينهم تنسيهم ألق الحياة وصفاءها بينما يحول التفاؤل بينهم وبين هذا الجمود والحيرة ويصنع من إراداتهم معاول لصنع مستقبل أفضل ويرسم ملامحهم جميلة بلا رتوش أو أصباغ.. وفي الحياة أمثلة كثيرة لبشر استطاعوا ان يجعلوا من أجسادهم قوالب صالحة لتخزين الأمل والطاعة والفرح ولهذا هي خفيفة من أثقال الهم والتعب وهؤلاء استطاعوا ان يصطادوا ساعاتهم الحلوة بسنارة الصبر والحكمة ولم يبالغوا في تحميل قلوبهم مالا تطيق.. بينما أثقل البعض حياته بالنكد فهو لا ينطق إلا حزناً وألماً وهؤلاء اغترفوا من مستنقع التفاهة وعاشوا بفكرهم عالماً ضحلاً من الإفلاس والهبوط.. وشتان بين من يرى الحياة بعيني قلبه وبين من يراها بعيني رأسه، والقشور تذروها الرياح دائماً والموتى تحتضنهم القبور.. لا يحلقون دون السحاب أو فوقها.. والتشاؤم يعلمنا استمطار الأزمات واستسقاء رعود الصيف العابرة.. الحزن والدموع لا يصنعان مظلة.. والكبت لا يكتب الشعر.. ولا يزن القصيد.. الحقيقة وحدها هي من تهدينا أمنياتنا الصغيرة والكبيرة على طبق الصدق مع الذات ثم مع الآخرين.. الفطرة التي علمتنا لعق أصابعنا والعبث تحت زخات المطر والضحك من القلب بكل براءة.. هذه الفطرة هي الضوء الخافت الذي يقبع خلف قلوبنا ويصورها لنا عظيمة على جدران صدورنا.. ليست الفطرة أن تبدو كما أنت فقط.. بل يبدو كل مافيك كماهو ناصعاً.. نقياً، دون الحاجة إلى ممحاة وفرشاة وقلم.. وربما أكثر .. إذا نظرتم في المرآة ولم تلحظوا اختلافاً كبيراً بين الأمس واليوم فاعلموا أن قلوبكم في الداخل متحجرة بما يكفي لتحطيم أحلامكم.. فلينوها وأحسنوا اختيار مكنونها ؛لأنها هي من سترسم وجوهكم من جديد.. تعلموا من جديد كيف تصبحون أقوى إذ لا مكان للضعفاء اليوم.. جددوا إرادة الحياة بلا أسى.. وإن أخفقتم يوماً فلا تيأسوا.. كل البشر خلقوا عراة، حفاة.. ثم طفقوا يخصفون على عوراتهم ثياب الدنيا كلها.. ولازالوا عراة، حفاة.