عندما اختارت مؤسسة اولمرت اليهودية الخفائية هذا العنوان لحرب غزة الظالمة كانت تتوخّى الاشارة إلى بُعد آخر يتعلق بالكرامة العربية المسكوبة، والحقيقة ان كل المؤشرات تدل على أن الكرامة العربية ليست مسكوبة فقط، بل انها مُهدرة حد الاحتياط القابل بمزيد من السقوط الحر. وهذا الكلام ليس غنائياً ولا عاطفياً بل هو تعبير عن تراجيديا الحالة العربية، فالعرب أجمعون ينتظرون الفرج من نظام شاء أن يلتحق بركب المهانة حتى مخ العظم، ولم تعّد المسألة تتعلق بالتعاطف مع غزة وأهلها، بل تتعلق أيضاً بالمصالح المباشرة للدول العربية التي ستدخل من الآن وصاعداً في متوالية التسليم القدري المُفجع، فما يجري في غزة ليس مقطوعاً عن ما يجري في البحار والمحيطات، وما قصة القراصنة “غير الكاريبيين” إلا اشارة دالة في هذا الباب، فتدويل البحر الأحمر ومضيقيه الحاكمين “قناة السويس وباب المندب” ليس إلا توطئة لسيطرة دولية ناجزة على البحار التي تلي البحر الأحمر، ابتداءً من خليج عدن، مروراً ببحر العرب، وحتى باب المندب. منذ زمن بعيد أدرك الخليفة العباسي هارون الرشيد قيمة قناة السويس وكاد أن يشقها لولا تراجعه في اللحظة الأخيرة لقناعته بأن هذه القناة قد تستخدم يوماً من قبل الرومان البيزنطيين، ولقد تحققت نبوءته اليوم، فالمضائق العربية في البحر لم تعد ملكاً لهم، وما كان رصيداً استراتيجياً للأمن القومي يتحول إلى رصيد للمؤسسة الصهيونية الحاكمة في اسرائيل، فماذا فعلنا ونفعل في هذا الباب غير الاستغراق الواهم بأن ما يجري هناك صناعة صومالية يقودها امراء الحرب الصوماليون؟!. اختارت المؤسسة اليهودية المدوزنة بمنطق الحرب الدائمة تسمية “الرصاص المسكوب” لتقول إن غزة ستُمطر بالنيران الحامية حتى التدمير الشامل، والشاهد أن ما يجري من تدمير وقتل شاملين لا يحتاج لشهادة شاهد، بل يتصل بتسمية متجددة لحرب الإبادة الماثلة، فالتسمية الجديدة للعدوان هي “القبضة الحديدية” التي تذكرنا بتسميات أفلام “البوكيمون” وتزداد سخرية القدر بالفُرجة اليومية للمتعصبين اليهود الذين يتشفّون بتمزيق أوصال غزة عبر اطلالة يومية بالمناظير المقربة، ويصطفون على التلال المقابلة لغزة لمشاهدة واقعية حية للتدمير الذي يطال المدينة وأهلها. هكذا تتحول آلام غزة إلى فُرجة سيكوباتية للمنتقمين المتعصبين المجبولين بثقافة الكراهية، وبالمقابل تضيق مقابر غزة بموتاها حتى إن الجثث لا تجد لها مكاناً في تلك القبور!. يجري كل هذا والولايات المتحدة تصر على التناغم المُطلق مع اسرائيل، وآخر الشواهد اللافتة ما كان من أمر كوندليزا رايس في الأممالمتحدة، فقد سعت “رايس” لاستصدار القرار المُخاتل الذي لا يُلزم أحداً، لكنها ويا للغرابة امتنعت عن التصويت إثر مكالمة رئاسية، وتقول الصحف البريطانية:إن تلك المكالمة جاءت من بوش استجابة لمكالمة من اولمرت طلب منه فيها عدم التصويت على القرار، فأُسقط في يد “الزنجية البيضاء” التي تلقت آخر اهانات رئيسها بعد ان سعت لخدمة الصهاينة بقرار لا يلزم أحداً ويفتح الباب لمواصلة الحرب. الرصاص المسكوب قرينة الكرامة المسكوبة، والهوان الشامل، والعرب سيدفعون ثمن خياراتهم اليوم وغداً وبعد غد إلى أن يأذن الله بأمر كان مفعولاً.