لست أدري هل هناك حاجة إلى أن يذكّر الاسرائيليون اخواننا في حماس بوجودهم بهذا الشكل الوحشي؟!.. أكثر من ستة آلاف ما بين شهيد وجريح؛ كل ذلك بعد ان اختزلت القضية الفلسطينية بغير حق إلى قضية الضفة الغربية وقطاع غزة. لقد أدركت مصر جيداً أن اسرائيل لا تأبه لقواعد القانون الدولي، فسعت بكل جهدها لتمديد فترة التهدئة بين اسرائىل وحركة حماس إدراكاً منها أن تلك القذائف البدائية التي تطلق من قبل عناصر منفلتة في غزة سيجعل من اسرائىل تقوم بعملية عسكرية انتقامية يروح ضحيتها الأبرياء من الفلسطينيين. وقد حذرت الحكومة المصرية مرات عديدة، لكن العناصر غير الراغبة في السلام والتي تبحث عن بطولات زائفة لم تأخذ التحذيرات مأخذ الجد ورفضت تجديد الهدنة. وللأسف فإن حملات الاستعداء لمصر قد اتسعت من قبل بعض الأطراف الإقليمية وحاولت التشكيك في الموقف القومي المصري. وقد أغفلت هذه الأطراف الإقليمية رؤية مصر الاستراتيجية، فاستهداف غزة عسكرياً أو محاصرتها اقتصادياً أمر ليس في مصلحة مصر، ويتصادم مع حسابات أمنها القومي عند حدودها الشرقية. ولا يغيب على أحد حجم إلحاح مصر على ضرورة إعادة الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام بين حماس وفتح ودعوتها لتمديد التهدئة وإعطاء فرصة إضافية لجهود السلام، حرصاً منها على تجنيب الشعب الفلسطيني ما يتجرعه يومياً على يد المتطرفين الصهاينة. بل إن مصر كانت تمتلك قراءة صحيحة لما يجري خاصة وان اسرائىل قادمة على انتخابات والوضع في امريكا في فترة انتقالية. وبالإضافة إلى ذلك فإن مصر قد أدركت مبكراً ان الصراع العربي - الاسرائيلي لا تحسمه الحرب، بل السلام، فانطلقت نحو خيار السلام وارتضت بشرعية المفاوضات، وأيقنت بضرورة الخروج من ثقافة الانتحار وأوهام التفوق وأحلام النصر!. إن غبار الزوبعة المتصاعد في الوقت الراهن تجاه مصر يشبه تلك الزوبعة التي أثيرت حينما اختارت مصر التفاوض على استرداد أرضها وأثبت الزمن خطأ تقديرات هؤلاء البعض. وخبرة مصر في هذا الجانب تقوم على أساس الشرعية الدولية والأمن الإقليمي، خاصة وان الفلسطينيين قد انتزعوا اعترافاً دولياً بحقهم في السيادة والاستقلال. لقد آمنت مصر من منطلق الممكن بعيداً عن الشعارات العنترية بأن المنطقة تحتاج إلى سلام دائم وليس عن طريق المهدئات؛ لأن تلك المهدئات توفر المناخ المناسب لاستمرار الصراع واتساع دائرة العنف والتطرف. وإذا كان انقلاب غزة أمراً غريباً ومستهجناً، فإن رفض تمديد الهدنة في هذا التوقيت لهو أمر غريب أيضاً. وفي اعتقادي أن حماس قد ارتكبت أخطاء متتالية، فهي تمثل الحكومة الفلسطينية وليست حكومة حماس، وقد كان بإمكانها أن تواصل الحوار مع اسرائيل وتترك لغيرها المقاومة عندما تسلمت حماس الحكومة. لم تستطع أن تضع لنفسها عنواناً سياسياً شرعياً خاصة وأن قبولها بتشكيل الحكومة يعني التزامها بكل الاتفاقيات مع اسرائيل، بدخول حماس الحكومة انتهت السلطة وانتهت المقاومة. ولعل من أصعب الأمور على الإطلاق أن تقنع من يعلم ما هو الحل الملائم، ولكنه يتصرف من منطلقات أخرى، فكيف السبيل إلى جعله يغير موقفه على الرغم من أنه يعرف ما هو الحل الصحيح؟!. والذين يبحثون عن حل للقضية الفلسطينية لا يكفي أن يوعزوا للشارع بالقيام بمسيرات وإنما عليهم أن يفعلوا المستحيل كي يبدأ حوار فلسطيني جاد لتشكيل حكومة وحدة وطنية بأسرع وقت ممكن، وإدخال كل الفصائل ضمن منظمة التحرير التي هي العنوان الأساس للوحدة الفلسطينية. وقد قلت في مقال الأسبوع الماضي بأن الحل لن يأتي من باراك أوباما ولا من وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، بل من الفلسطينيين أنفسهم؛ لأن أمريكا تعاني في الوقت الراهن من أزمة اقتصادية خانقة، وعلى الفلسطينيين أن يدركوا أن الأزمة العالمية ستؤثر عليهم وعلى قضيتهم. أعود إلى الدور المصري وأقول إن الذين اتهموا مصر بالتواطؤ أرادوا أن يخففوا الضغوط على اسرائيل ويساعدوها على تمرير جريمتها النكراء. لقد أدركت مصر أن القضية الفلسطينية يتم استغلالها من قبل أطراف إقليمية تريد أن تحقق بعض موازين القوى على حساب الدم الفلسطيني؛ فأرادت أن تحقن هذا الدم لأنها تدرك أن طريقة التفكير من أبجديات الصراع وإدارته. ولا شك أن أرواح شهداء غزة التي ترفرف في السماء سوف تكشف المجرمين الذين سعوا إلى هذه الجريمة بلا مبرر إلا لثمن رخيص أو لي الحقائق والمزايدة على موقف مصر القومي الواقعي. هناك أطراف إقليمية أرادت أن تجر مصر إلى نقض التزاماتها الدولية في معركة لم تستشر فيها مصر. وهناك تجاهل في الوقت الراهن لأسباب الحرب التي أدت إلى هذه المجزرة التي ترتكبها اسرائيل. لقد فكّت حماس الارتباط بين المقاومة والأهداف الاستراتيجية للتحرير وإقامة الدولة المستقلة؛ وبذلك تكون حماس قد أفرغت العمل العسكري من كل معنى سياسي واستراتيجي وحولته إلى صورة استشهادية تعرض على الأقمار الصناعية. ولست أدري كيف يطالب البعض بإيقاف المفاوضات والتسويات في ظل اختلال توازن القوى، ثم هم يذهبون إلى الحرب في ظل هذا الاختلال الرهيب في موازين القوى. ولا شك في ظل ذلك أن مصر قد ارتفعت إلى مستوى القوة وأرادت أن تعيد الاوراق لكي تجعلها أكثر تأثيراً.. فليقف الجميع إلى جانبها حتى تنجح مبادرتها في الحفاظ على الشعب الفلسطيني وحماية قضيته.