قد تغيب الأمة أية أمة عن وعيها حيناً من الزمن، لكنها سرعان ما تفيق وتعود إلى اليقظة والرشد، وفي كلتا الحالتين النوم أو اليقظة يبقى ضمير الأمة حياً متوهجاً لواماً، ناقداً على الدوام، يُذيب الترسبات الكامنة في مفاصل الوعي الاجتماعي، مثلما ينقل القرارات المصيرية المرتبطة بالحقوق والكرامة وماء الوجه والمكانة الحضارية اللائقة بالأمة إلى مرتبة الفعل والتنفيذ، بدون تردد أو خوف أو مماطلة. اللافت للنظر أن المآسي التي مرت ومازالت تمر بها أمتنا العربية قد أحدثت ثقوباً بليغة الضرر والتخريب في وعيها الاجتماعي والحضاري، مما أدى إلى تسريب طاقاتها المادية والمعنوية في مشاريع وهمية، فصار ضمير أمتنا العربية أشبه بالبيت المهجور، فكانت النتيجة صمتاً ساذجاً، وبكائيات لا أول لها ولا آخر، والرحيل السلبي إلى الماضي للبحث عن خالد بن الوليد رضي الله عنه وصلاح الدين الأيوبي وقطز وبيبرس رحمة الله عليهم بين ركام الذاكرة وأطلال التاريخ. ضمير أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج في إجازة طويلة الأمد، والخوف أن يكون قد دخل طور التقاعد، لأن الأحداث التي تتوالى علينا تزيدنا صمتاً إلى صمتنا، وليس أدل على ذلك ما تمر به أمتنا في غزة والعراق نزيف دائم، واحتراق مخيف، وجلد عنيف للذات. التخاذل الحاصل في القمم العربية زاد الصمت عمقاً والحالة سوءاً والشقاق اتساعاً، والارتكان إلى المشاريع المتقاطعة في المنطقة لهثاً ومنازعة، وكأن عقدة الأجنبي في وعينا العربي أزلي وقدر لا مفر منه، كل منا يرتهن إلى طرف ويراهن عليه، في الوقت الذي نمارس الصمت والاجترار وتعييب وتجريح الآخر، فتكون التركة خنوعاً وبحثاً عن الدور والذات معاً. يبدو أن العلاج الأوحد لما نحن فيه من وهن وضعف هو الجهاد في سبيل الله وفي سبيل الكرامة والشرف، لإعادة الحياة إلى طبيعتها والضمير إلى فعله وتوقده، ولكي يعود الشعور والإحساس بالمسئولية إلى وضعه الطبيعي، إذ بدون ذلك نظل أمة غثاء وكثرة لا قيمة لها ويظل في آذاننا وقر وصمم وفي إحساسنا تبلد، لا نتألم من ظلم أو ننفر من اضطهاد أو استبداد. غزة وما يحدث فيها من مآسٍ تتطلب منا جميعاً المدافعة كون ذلك أمراً ضرورياً ولازماً لصد العار والظلم والعجز والذلة والمهانة عن أنفسنا وإخوتنا، عن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.. غزة اليوم فرصتنا الذهبية لحفظ ماء وجوهنا وإعادة الاعتبار لأمتنا، وعدم ترك الأحداث والمعركة تمر بدون وجودنا الفعلي جنباً إلى جنب مع إخواننا في غزة الجريحة، وعدم النظر للحسابات الأخرى التي تحبطنا وتقتل فينا الخير والقوة معاً، أو ترك الساحة للخطابات والبيانات الساذجة. الطبيب درهم القدسي والعدالة الغائبة الهمجية ورفض النظام والقانون والسخرية العلنية كانت ومازالت الشاهد الوحيد على الجريمة البشعة والقذرة التي طالت الطبيب الدكتور درهم القدسي وإحالته إلى جثة تنازع الموت وتشكو إلى الله الأيادي القذرة التي مزقت فيها الحياة وتباطؤ المؤسسات الحكومية الأمنية والقضائية في تحقيق الأمن والحماية وحفظ الحقوق وإقامة العدل والقانون. لوجه الله ندعو الأجهزة الحكومية للقيام بواجبها حتى لا نحيي ثقافة الثأر بين الناس والتطاحن القبلي، لأنه لا يوجد أحد فوق العدالة والنظام والقانون والدولة، ويجب محاسبة كل من يقف وراء تهريب المعتدين وتركهم فارين كائناً من كان، وإذا كانت هنالك مناطق مغلقة على العدالة وأجهزة الأمن فذلك أمر آخر ويحتاج لحسابات وتقديرات أخرى. :