كما كان متوقعاً انتهت الحرب على غزة قبل أن تبدأ ولاية أوباما بأيام، وعلّق ويعلّق كثير من العرب آمالاً كبيرة على «باراك حسين أوباما» وأنه بسبب لونه وجذوره ربما يقدم شيئاً للقضية، وما علم هؤلاء أن أي تغيير في السياسة الامريكية لن يكون إلا شكلياً فقط، لأن الولاياتالمتحدة دولة مؤسسات لاتخضع لعواطف الرئيس ومزاجه، وعلى ذلك فإن تعليق أي أمل على الإدارة الجديدة لن يكون في صالح العرب فالأجدى والأنفع أن يعتمد العرب على أنفسهم. وجاءت قمة الكويت بعد قمتين إحداهما في قطر وضمت بعض العرب والمسلمين وتبعتها قمة شرم الشيخ لتضم بعض الأوروبيين إلى جانب بعض العرب ،وقدمت الأولى بعض الأمل للمقاومة وجاءت الأخرى لتقدم لإسرائيل الأمن وتدعم موقفها العدواني ضد الشعب الفلسطيني ثم غلّفت ذلك الدعم بلمسة إنسانية للفلسطينيين ،لم يتحدث ساركوزي عن جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة ولم نسمع عن أوكامبو يتحدث عن جرائم إسرائيل وقادتها، بل ظهر جلياً النفاق الأوروبي والتعامي عن جرائم اسرائيل وهذا الموقف ليس جديداً ولاغريباً، لكن الأغرب زعيق بعض العرب بتحميل حماس نتائج هذه الحرب مع اعترافهم أن اسرائيل كانت تعد لهذا الهجوم منذ شهور حسب خطاب عباس في قمة الكويت ،ما يظهر اليوم أمامنا ثلاثة مشاهد: الأول: حجم الدمار الذي ألحقته اسرائيل بقطاع غزة ويقابله حجم الصمود الاسطوري لفصائل المقاومة وخسران اسرائيل لهذه الحرب عسكرياً واخلاقياً بالإضافة إلى خسران التعاطف الدولي نحوها وتحول هذا التعاطف نحو المقاومة. وآخر الاستطلاعات في اسرائيل يشير إلى هذا الخسران وذلك بما يأتي: لم تتمكن اسرائيل من القضاء على حماس و منع اطلاق الصواريخ.. اهتزت صورة اسرائيل في العالم وظهرت كدولة بربرية نازية بعد أن كانت تقدم نفسها كحمل وديع بين قطيع من الذئاب.. خسرت اسرائيل بعض أصدقائها في المنطقة خصوصاً تركيا التي مازالت المظاهرات مستمرة فيها حتى اليوم.. لم تتمكن القوات الإسرائيلية من اطلاق سراح «شاليط» أو حتى معرفة مكانه.. فأين النصر الذي تزعم اسرائيل أنها حققته اللهم إلاّ على الأطفال والنساء والمباني والمساجد وفي المقابل حصلت المقاومة على تعاطف العالم وخرجت أكثر شعبية في الشارع الفلسطيني وأكثر قوة. المشهد الثاني: ظهرت النظم العربية بمظهر العاجز المتخبط، فتارة يحمل البعض حماس مسئولية هذه الحرب وهم أنفسهم الذين حمّلوا من قبل حزب الله مسئولية حرب تموز 2006م وتارة يزعم البعض أن الحرب ماكانت لتقف لولا تدخلهم ولست أدري لماذا تأخر هذا التدخل وهذا التأثير على اسرائيل مدة اثنين وعشرين يوماً.. والحقيقة أن سبب توقف الهجمة على غزة هو أولاً صمود المقاومة البطولي وثانياً انكشاف سوءة اسرائيل أمام العالم بالرغم من نفاق الإعلام الغربي وتكتم الإعلام الإسرائيلي وليس بفضل فلان أو علان وقفت هذه الحرب القذرة.. واجتماع مسلمي الشرق مع بعض العرب في الدوحة وحضور تركيا وايران فيها أحرج البعض فدعا إلى قمة تجمع كفار الغرب ومن والاهم بزعم تعمير غزة. المشهد الثالث: قمة الكويت وخطاب خادم الحرمين الذي فاجأ الكثير برغم أنه يمثل الحد الأدنى من مطالب الشعوب العربية ،كما أن قرارات القمة وبيانها عكست مدى الخلاف الذي لازال قائماً بين العرب تجاه المقاومة التي لم تحظ بأي إشادة وإن كانت الاشادة بشعب غزة الصامد قد ظهرت بخجل في بعض الكلمات.. هذه القمة لم تحدد مدة معينة لإسرائيل بقبول المبادرة أو رفضها ونحن نعلم أن سبع سنوات عجاف قد مرت منذ طرحها في بيروت.. أشارت القمة إلى تحميل اسرائيل المسئولية القانونية عن جرائم الحرب التي ارتكبتها في غزة وهذه الاشارة تحتاج إلى متابعة مَنْ كلفوا بالمتابعة لرفع دعاوى أمام المحاكم الدولية. والذي أعتقده أن هذه القمة ماكانت لتنجح في عقد المصالحات التي تمت لولا حضور أحمدي نجاد إلى الدوحة قبلها.. لقد أسهمت قمة الدوحة بفعالية كبيرة في تحقيق مالم يكن ليتحقق لولا انعقادها ولكن ماهي الخطوات التالية. أولاً: المصالحة الفلسطينية وهذه لن يكتب لها النجاح مالم يقف الوسيط بينهما على مسافة واحدة من كل الاطراف وينأى بنفسه عن الانحياز إلى طرف ما ، وكذلك يجب أن يكون مفهوماً أن المصالحة لن تنجح أيضاً إذا أسقطت المصالحة خيار المقاومة كونها الورقة الباقية والأكيدة بيد الفلسطينيين . وأخيراً لكي تنجح المصالحة لابد من عدم السماح للضغوط الخارجية وخاصة الامريكية والإسرائيلية بالتدخل في هذه المصالحة ،ونحن نأمل أن يصطلح الإخوة الفلسطينيون وتقوم حكومة وحدة وطنية بعيداً عن التآمر لإفشالها ،كما حدث مع الحكومة الوطنية الأولى.. على الجانب العربي، انتبه العرب إلى أهمية الاقتصاد في تعزيز الوحدة أخيراً مع أن هذه الافكار كانت مطروحة منذ الستينيات من القرن الماضي.. إن خسارة 5.2 تريليون دولار كافية ليصحو العرب وهذا مبلغ كان كافياً لتحقيق الرخاء والاقتصاد للمواطن العربي وتوفير فرص عمل لملايين الشباب العاطل وقيام مشروعات صناعية عملاقة. لقد أثبتت الأحداث الأخيرة في غزة الآتي: أن المقاومة هي الخيار الأمثل لتحقيق التحرير وأن حمايتها واجبة على الجميع حكاماً ومحكومين والتفريط بها سيسقط الورقة الأخيرة.. أن تجميع العرب ليس مستحيلاً إذا صدقت النيات واتضحت الرؤية، والجانب الاقتصادي وتشابك المصالح هو الطريق الأمثل لأي وحدة عربية. أن دور الإعلام لايقل عن دور البندقية وأننا بحاجة إلى إعادة النظر في المصطلحات الإعلامية القائمة اليوم مثل الإرهاب الذي يجب أن يطلق على إسرائيل وامريكا لتطابق حقيقة أفعالهم وجرائمهم مع هذا المصطلح وليس على المسلمين ،ولابد من عدم اطلاق كلمة اسرائيل على فلسطينالمحتلة بل تبقى باسم فلسطينالمحتلة وهكذا . وأخيراً إعادة النظر في مناهج التعليم التي خضعت للتطبيع وثقافة الاستسلام وإعادة البناء الفكري على أسس دينية واخلاقية.. ونسأل الله أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعزّ فيه أهل طاعته.. والله من وراء القصد.