كثير من الباحثين والمتخصصين في المجال التعليمي والتربوي يجمعون أن الاختلالات التي تسيد التعليم منذ سنوات مضت ناتجة أساساً عن سوء الإدارة التعليمية .. ويقولون: إن إصلاح التعليم ضرورة ويبدأ من الإدارة .. وفي الوقت الذي نرى فيه الاختلالات تزداد وتتجه صوب التدمير والتخريب للعملية التعليمية برمتها، ويمكن تلمس ذلك من خلال نظرة فاحصة للمشهد الامتحاني للشهادتين الأساسية والثانوية العامة .. ومن خلال أيضاً تتبع الممارسات السيئة التي أضرت بالتعليم ومنها «المحاباة» والصحوبية والوساطات !! التي نراها تتسع وتمتد إلى ما لا نهاية.. في الوقت ذلك لا نلمس أية إجراءات جادة للإصلاح. منذ سنوات خمس أو أكثر قليلاً والواقع التعليمي في البلاد يشهد تراجعاً مخيفاً سببه نمو الكثير من الظواهر السلبية على حساب الإيجابيات القليلة المتبقية والتي تكاد تنتهي وتموت !! نعم .. هناك اهتمام واضح من قبل الحكومة بالشأن التعليمي وذلك من خلال إصدار العديد من القرارات الهادفة إلى الارتقاء بالتعليم وتطوير مضامينه وبرامجه الحالية .. ولكن للأسف الشديد تظل القرارات في معظمها حبراً على ورق نتيجة غياب المؤسسات التعليمية عن ترجمتها والتفاعل مع نصوصها .. ولتأكيد ذلك فان قرار إعفاء الطالبات من «1-6» والطلاب من «1-3» من دفع الرسوم المدرسية شاهد حي !!. كثير من الإدارات المدرسية حولت التعليم إلى تجارة ووسيلة للكسب غير المشروع وسط مرأى ومسمع من قيادات السلطة المحلية والقيادات التعليمية في مكاتب التربية بالمحافظات .. والسبب الرئيسي في هذا التحول المفجع هو سوء الإدارة !!. ونحن هنال لا نهدف من الحديث حول التعليم في البلاد إلا الإصلاح كمطلب أصبح من الضرورات التي لا ينبغي إغفالها أو القفز عليها.. وكخطوة أولى لعملية إصلاح التعليم ينبغي التركيز على الإدارة االتعليمية وتنقيتها من كل الشوائب العالقة عليها.. وبدون ذلك سنظل نسمع جعجعة ولن نرى طحيناً أبداً. ويكفيني هنا أن أشير إلى ماقاله ذات مرة الأستاذ عبدالقادر باجمال - رئيس الوزراء السابق - أعاده الله إلينا سالماً معافى «التعليم هو جوهر عملية الإصلاح من أساسها وإذا لم نتناول قضية التعليم باعتبارها محوراً رئيساً في التطور والنمو نكون قد ظلمنا التاريخ كله والحقيقة كلها» . وأضيف هنا إلى ما قاله الأستاذ باجمال أن سوء الإدارة يعد السبب الرئيسي في الكثير من الاختلالات والإشكالات البارزة ليس في الحقل التعليمي وحسب بل في معظم مرافق وأجهزة الدولة المختلفة.. سوء الإدارة هي المشكلة الحقيقية التي تقف حجر عثرة أمام نجاح برنامج الإصلاحات الشامل .. والمشكلة الرئيسية التي تواجه عملية التنمية في البلاد.. سوء الإدارة هي من تسببت في بروز قضايا الفساد .. وهي من أدت إلى الاحتكار والتلاعب بأسعار الغاز من قبل الوكلاء وإخفائه.. وهي من أسهمت في عدم تفعيل الأجهزة الرقابية وعدم تأدية مهامها بشكل سليم وصحيح.. الإدارة وإصلاحها هي الخطوة الرئيسية التي سنتمكن من خلال القضاء على كل الاختلالات المتسيدة في مختلف المجالات التعليمية والصحية والأشغال والكهرباء والخدمية عامة .. وجوهر عملية الإصلاحات جميعها ودون استثناء.