ها أنذا أقفُ من جديد لأجل الذين رحلوا أصلي عليهم صلاة بلا صوتٍ ولا تراتيل ولا كلمات. ها أنذا أرشح نفسي لأبقى أقود أحرفي بعلم من ربيع نضيب.. ها أنذا أحمل إكليل أدمعي لتبقى عيناك مضيئتين وتبقى تراني وإن لم أرك.. لا نساء قبلي امتطين صهوة الحقيقة.. وحدي امتطيت وحدتي ثم أعلنت الرحيل.. أتراهُ يحملني إليك هذا القدر.. اعتدتُ أن أرضى بما تجري السفين.. اعتدت أن أصحو بلا شمس وأنام بلا قمر.. اعتدتُ أن ألوّن الغروب بالضياء واستفيق حتى لا يهطل المطر.. اعتدتُ أن أحيا بلا ركبٍ وأمسي بلا شاطئٍ وأحلقُ بلا جناح.. لا سكون أعيشهُ بعد الهبوب الأخير. فماذا أصنعُ بالقابعين على باب كتابي.. يصنعون من أوراقي قوارب ومن أحرفي سحاباً؟! سيغرقون كما غرق البحر في صحراء قلبي من سنين..ها أنذا أعود من غُربة الروح إلى مدينة الودق.. ما أجمل أن يحيا رُكامنا على ورق.. ماأبهى أن نختار من بين الدروب درباً بلا آثار كي نحيا مثل البحر بلا بصمة.؟! لقد عُدتُ.. عُدتُ لأبقى أثيراً يطوف ويموت ولا تُشيّع جثمانه عجائز المدن.. عُدتُ لأصنع من ظفائر التاريخ أمواجاً على أوراقي وأمحو عن خارطتي مدينةً من حب.. عدتُ لأصبح سحاباً يُمطر الود.. ورياحُ غربتي تصنع مني اعصاراً لايرحم..! عُدتُ لأحتسي قهوتي على أنغام ذاكرتي المنمقة بصوت الموت الحر.. لا شيء في الدنيا له طعم الحرية. الحرية التي تجعلنا أسراب طيور ترحلُ لترحل فقط.. لاتعرفُ من الدنيا إلا أنها تطير. وعندما تحطّ رحالها على أي أرضٍ تكون قبورها قد فتحت ليلتقي الجميع في آخر فصول المسرحية المذهلة.. هاأنذا أبحث عن مكانٍ شاغرٍ أرضي على مساحاته أشرعتي التي مزقها الخوف وأذهلت سكونها سكرات الفرحة الملغومة بالكبرياء.. ها أنذا أعود لأشعل عود الثقاب الأخير وأُعلن وداع الانكسار وأساطرُ نفسي وظلي وكينونتي رثاء الأيام النائمة داخل تابوت الحزن.. ها أنذا أفتحُ أبواب مدرستي لأعلّم أحرفي درساً في كبرياء الروح وسمو الإرادة وابتهاج المعاني.. هاأنذا أكتب إليكم رسالة الانتصار.