الانتخابات اليمنية ليست غاية في حد ذاتها، بقدر ماتمثل آلية وأداة منظمة لتحقيق الغاية المنشودة التي تتجاوز العملية الانتخابية وتستفيد منها في الانتقال السلمي للسلطة، وتداولها على نحو يلبي قرار الأغلبية في الاختيار لمن يمثلها، ويعبر عن رأيها.. وحين نقول الأغلبية نقصد بها الأغلبية التي يجمعها الوطن بهمومه واهتماماته وطموحاته وتطلعاته في صناعة الأفضل، وإحداث التغيير الإيجابي الهادف تحقيق الرفاه للمجتمع، والحياة المستقرة الآمنة، والتنمية المستدامة بكل أبعادها ومضامينها. من هنا، فالوطن حين يكون هماً للقوى المتنافسة على صناديق الاقتراع في مضمار ديمقراطي قوامه انتخابات حرة، تكون العملية الانتخابية بأدواتها ونواتجها تصب في هذا السياق، وتحمل في طياتها ما سعت إلى صياغته اختيارات الجمهور وخياراته، ومع هذا فليتنافس المتنافسون. من هذه الزاوية حين تنتصر لغة الحوار، وإرادة الكلمة القائمة على تغليب مصلحة الوطن، فإن الانتصار حينها يحسب للوطن، والهزيمة تنزل بأعدائه، ومن ثم فالحقيقة المتصلة بهذا تقول: إن تقديم تنازلات من أي طرف أو من أطراف العملية السياسية، هو قول مردود وغير مقبول بمنطق المواطنة المتزنة والملتزمة بحقوق وواجبات. والقول الأنسب والمتناسب في هذا السياق هو النزول عند مصلحة أعلى وأعم وأشمل، والإقرار بحق وطن على مواطنيه، والتسليم بسيادة الإرادة الوطنية على الإرادات الموزعة على كيانات وعناوين سياسية مختلفة. والمهم في الأمر، هو التأكيد، أن لهذا النزول والإقرار والسيادة والتسليم للوطن،استحقاقات ينبغي سدادها لتصل العملية إلى منتهاها أو مبتغاها المعلن، ولعل من أبجديات هذه الاستحقاقات المصداقية واستعادة الثقة بالآخر والإقرار بالحقوق التي يتمتع بها الجميع، كونهم جميعاً يستخدمون مشروعية حراكهم وحركتهم السياسية، من مرجعية واحدة، وتصب في نتيجة واحدة، أساسها ورأسها المسئولية الوطنية الملقاة على عواتق الجميع، وعنها يُسألون، وبها يرتقون، وبالتخلي عنها يسقطون، ليس فقط من مواقعهم، بل يسقطون من أعين وذاكرة المواطن والوطن، وترحل ذكراهم إلى ذاكرة المحاكمة التاريخية التي لا ترحم أحداً، ولا تقيم وزناً لأحد، وكل ما تعني به وتهتم به ما يهتم به المواطن المتطلع إلى حياة كريمة، وواقع أكثر تقدماً واستثماره على سبل ووسائل تعود عليه بالنفع وعلى الوطن بالخير، ويضاف إلى المصداقية وما سبق ذكره، القبول بالآخر رأياً وموقفاً وممارسة مهما تناقضت وتباينت مع الموقف لهذا الطرف أو ذاك المقابل للآخر، مادام ذلك يستهدف بالفكرة والوسيلة والأهداف النفع للمواطن والخير للوطن وتقدمه ومصالحه العليا.. وهذا يعني ان يقر كل طرف أن اختلافه مع الآخر لا يعني بالضرورة ، وبكل المعاني اختلافاً مع الوطن وأنه اختلاف في القراءة والتحليل والرؤية العلاجية، ينبغي القبول به مادام يملك من مبررات منطقية ومنهجية واضحة، ومؤشرات مستخلصة من بيانات ومعلومات مبنية على الدارسة العلمية والموضوعية.. ومتى ما خلت من كل ذلك، فإن الاختلاف معها واجب وطني ومسئولية تاريخية لا يجب التخلي عنها، وتبرير الصمت عنها وتمريرها بمبررات القبول بالرأي الآخر، إذ لا يمكن القبول برأي يهدم وطناً تحت أي ذريعة كانت.. وبالمقابل إن أية قراءة نقدية لهذا الرأي أو ذاك لا ينبغي اعتبارها رفضاً للآخر، فالآخر غير معني بهذا الرأي إلا من زاوية احترامه، وتجنب تعطيله بأي وسيلة غير مشروعة وبأي عنوان كان. على هذه القاعدة نقول لأطراف العملية السياسية في بلادنا: إن وصولكم إلى اتفاق مبادىء، يمثل خطوة متقدمة في حساب يرتكز على حق الوطن عليكم، ويترجم بشكل أو بآخر ارتقاء إذا توافرت النوايا الصادقة والرغبة الحقيقية بالعمل المشترك لبناء قاعدة ديمقراطية فعلية تتوافر على بيئة صحية ومناخات نقية، وأجواء خالية من الكيد والكيد المضاد. فالوطن في ظل ظروفه الراهنة والمتغيرات المتسارعة سلباً وايجاباً لم يعد يحتمل الكثير من التجاذبات والمطبات بقدر ما يحتاج إلى الانجذاب المطلق إلى نقطة ارتكاز واحدة والانطلاق منها نحو إصلاح كافة الاختلالات ومعالجة كافة الأمراض وإزالة العوائق والمحطات التي تعيق المسيرة وتعطل خطواتها لسبب أو لغيره. إن الاستحقاقات المنظورة والتي نتطلع أن تعمل الأطراف جميعها على إنجازها، تتمثل بامتلاك آلية موضوعية ومنهجية تكفل الانتقال بالاتفاق من الحبر والورق إلى الفعل والممارسة، بوفاق ونزول متواضع لوطن هو أكبر من الجميع.. ومستقبل هو حق لأجيال، لا يقبل القسمة بأي حال وتحت ذريعة. والله من وراء القصد.