الانتخابات ممارسة مدنية وسلوك حضاري يعكس مستوى الوعي الحضاري لدلالات الانتخابات والمضامين التي تقف عليها وتقوم على أساسها، وهي بأبسط المعاني تأصيل حق الجماهير في اختيار قياداتها من جانب ، ونوع السياسات والبرامج السياسية والتنموية من جانب آخر. والانتخابات بهذه المعاني، تعني أن حالة التنافس ينبغي أن ترتكز على قيم التغيير الإيجابي المستمدة من قيم العمل المؤسسي الهادفة إلى ترسيخ دور المجتمع في تعزيز دولة المؤسسات دولة النظام والقانون، الدولة التي يكون فيها صوت الجماهير هو الأقوى، وهو الأمضى تأثيراً في إحداث التحولات النوعية، المؤدية وفق التنافس البرامجي إلى تأكيد المصلحة العامة، والعمل من أجل المزيد من المكتسبات للجماهير في تحديد هوية نظامها، وهوية المؤسسات الحاكمة، وطبيعة الممارسات الدستورية، عملاً باحترام التعددية، والتسليم بالرأي والرأي الآخر، على قاعدة الأكثر قدرة على نفع الجماهير ، وبناء دولة المؤسسات هو الأجدر بحصد أصوات الجماهير وتأييدها. المؤسف أن مثل هذه الدلالات لا نراها في ممارسات بعض المنتمين عن قناعة أو المصلحة لهذا الطرف أو ذاك، حيث ظهرت على الساحة سلوكيات مرفوضة تتمثل بنزع صور المرشحين من قبل بعض الأطراف المتنافسة من طرف الحزب الحاكم أو من طرف اللقاء المشترك ، أو المجلس الأعلى للمعارضة، أحزاب أخرى، وطرف بعض المرشحين المستقلين، فكل طرف يسعى بعض المحسوبين علىه للتدليل على انتمائه على تمزيق صور الخصم، ورفع صور مرشحه على سيارات وبيوت المواطنين دون إذنهم، وقد لا يكونون مع مرشحهم ، فمن اللياقة أن يستئذن مالك السيارة أو سائقها، وصاحب المنزل أو ساكنه ، ويتطلب منه السماح بلصق صور مرشحه فإذا قبل فهذا جميل منه، وإن رفض فهذا حقه ولا ينبغي أن يفسر موقفه تفسيراً إجرامياً، ويصنف على أنه في مصاف الذي ينبغي تدميرهم وتصفية الحسابات معهم... وهو ما يعكس همجية التعصب والبعد الكامل عن الانتماء إلى وطن هو أغلى من كل التقديرات والمصالح الضيقة !! إن مثل هذه السلوكيات، تدل على أن التجربة الديمقراطية في جانب الانتخابات لم تصل بعد إلى مستوى التسامح والقبول بالتنافس واعتباره حالة صحية تدل على نضج التجربة الديمقراطية وتزيدها تماسكاً ورسوخاً في الحياة العامة للناس لتصبح الأجمل في حياة الشعب وممارساته السياسية والاجتماعية ، وتتحول إلى ثقافة جماهيرية كما نأمل أن تكون.. هذا الواقع المؤلم يتطلب استشعار المسؤولية والارتقاء إلى مستوى الحدث، ومستوى النتائج المرتقبة منه، وألا تحوله مثل هذه الممارسات غير المسؤولة إلى حدث يدفع عنه الجميع، لأن أي ضرر يصيب التجربة، سيصيب الوطن، والذي يعني إصابة مباشرة بالإنسان اليمني ومصالحه وأحلامه.. علينا أن نفهم جيداً أن التعبير عن حماسنا لمرشحنا ينبغي أن يكون تعبيراَ حضارياً، يجسد عراقة هذا الشعب العربي الموغل في القدم. فهل نعي هذا، وهل يمكن أن نُسكت الأصوات الشاذة التي تحاول التعبير عن انحيازها لطرف بإيذاء كل من يملك رأياً مخالفاً.. أنا على يقين أن كل طرف يعلم جيداً هذه الأصوات، لكنه يغض الطرف عنها ظناً منه أن ذلك يخدمه.. وهو لاشك لا يدرك أن تلك الآثار التي قد تصيبه هي تلك الصورة التي يمكن أن تخزنها ذاكرة الناس وتسكن وجدانهم، وتظل صورة لمثل مؤسف وسلوك لا شرف صاحبه، وبما يجعله في نظر هؤلاء مثلاً ينبغي أن يغيب، فهل يمكن ان نجعلها انتخابات تعكس العمق الحضاري للشعب في اليمن بالترفع عن الغائر والارتقاء إلى نداء الوطن واستحقاقاته التي هي أكبر من كل المرشحين؟! والله من وراء القصد.