يختزل الدماغ الإنساني قابليات الحرف ببعيدها المرئي والمسموع ليكون الدماغ بمثابة القائد الأعلى لعلوم المعارف النابعة من الغيوب، وليصبح الياقوتة الفريدة في الجسد الآدمي، ولينفسح على تناصّات عبقرية مع الأحاسيس والمشاعر.. مع الحكمة والأهواء.. بل المعقول واللامعقول. لهذه الأسباب مجتمعة تبدو الأصوات والحروف بمثابة خوارزميات رياضية محكومة بتوازنات موسيقية نبيلة، وبتغايرات مفتوحة على الإبداع الذي لا حد له ولا حدود، ولهذا كان القائل يقول: سمعت قوماً يتكلمون بكلام من كلامنا وليس بكلامنا!!. وقال بشار بن برد: يا عين أُذني لبعض الحي عاشقة والأُذن تعشق قبل العين أحياناً. وأضاف الثالث قائلاً: إن لم تقف على مالا ينقال تشتّتّ فيما ينقال. والمقصود أن «من لا يعرف الإشارة لا تسعفه العبارة ومن لا يعرف الصمت لا يُدرك كُنه الكلام». لازمة للتذكير: {.. المتحدث الأول أعرابي سمع جماعة من المتأدبين يتكلمون في بغداد، وعرف أنهم يتحدثون بالعربية، لكنه لم يفهم ما يقولون، وهنا إشارة هامة تتعلق بفضاءات القول اللامتناهية. {.. المتحدث الثاني الشاعر الضرير بشار بن برد الذي سمع صوت المغنية الآسر فعشقها دون أن يراها، وتلك لطيفة من لطائف التناص المعنوي والروحي والدلالي، ولعل بشار رآها بعين قلبه وهو يتوجّد مع نسائم صوتها الجميل. {.. المتحدث الثالث محمد بن عبدالجبار النفري صاحب «المواقف والمخاطبات» الذي ألهم الحائرين وشغل الرائين.