من قال لكِ بأن تفتحي بيتاً للموروث الشعبي، فقد كان الأفضل أن تختاري بدلاً عنه مطعماً للسلتة الشعبية!.. فالناس في هذي البلاد لا يهتمّون كثيراً بالموروث، بل يعتبرونه ترفاً، فضلاً عن أنهم لا يرتادون هذه البيوت ويفضّلون الذهاب إلى بيوت أخرى ومجالس القات والمطاعم الشعبية!!. من قال لكِ بأن تخسري كل ما ادخرتيه من أجل أن يستمر بيت الموروث الشعبي في التعريف بما كان لدينا، لأن القائمين على أمر هذا التراث يعتبرونه ماضياً لا يجوز عرضه، وتراثاً يتحاشون الإفصاح عنه؟!. ولأنك أنفقتِ الوقت والجهد والمال من أجل أن يصمد «بيت الموروث الشعبي» ها أنتِ تقفين بمفردك مفلسة وحائرة تتساءلين عما إذا كنتِ قد ارتكبتِ حماقة ما في هذا الزمان؟!. نعم.. فإن أكبر تلك الحماقات أن يفكر المرء بأن يتبنى مشروعاً ثقافياً لحماية «التراث» بل إن الإصرار في المكابرة لا يورث غير الندم!. أعرف أن كثيرين من الناس الذين فرشوا أمامك الورود، وأحاطوك بالعبارات الجميلة والقصائد العصماء؛ هم أول من تخلّوا عنك، ذلك أنهم يعتبرون «التراث» من الماضي؛ وهم يعيشون المستقبل، فكيف يوفّقون بين حضور الراهن مع الارتهان إلى الماضي؟!. أعرف أنكِ شفافة، وفي داخلك حنين إلى الأشياء الجميلة في حياتنا الماضية، لكنني أعرف أيضاً أن زمانك لم يأتِ بعد. هذا الزمان «لفترينات» الشراشف والأحذية وأحدث موديلات البواكير المستعارة وعلب الشوكلاته والعطور القادمة من الغرب، وليس مكاناً يستذكر فيه الناس قيم الماضي الجميل، حيث البساطة والعراقة والإبداع والابتكار من البيئة المحلية. إن الموازنات في هذا الزمان تُخصص لأغراض لا علاقة لها بالتراث، كما أن الصحاب والرفاق يُنفقون الكلام ولا يشترون التراث. وأصحاب الأموال يهربون إلى حيث صناعة العصائر وإقامة النوادي واقتناء أحدث المبتكرات من بيوت الموضة العالمية ولا يفكرون في «بيت الموروث الشعبي» التي تعلق «حلق» جداتنا؛ أو تعرض أدوات التجميل البسيطة من «الحناء» و«الكحل» و«الخلاخل» وعقود «الكهرمان» والحُلي الفضية وفساتين الأفراح والأتراح من الصوف والحرير والقطن، والقبعات المصنوعة من سعف النخيل والخيزران.. و«الدروع» - غير العسكرية - التي تنبعث منها روائح السحر والجمال والإبداع والحب. إنني أتعاطف مع «أروى عثمان» التي يبدو أنها أخطأت الطريق؛ فذهبت إلى إقامة «بيت الموروث الشعبي» ورعته في بيئة طاردة لثقافة الموروث؛ ولكنها حاضنة لأشياء أخرى لا علاقة لها بالقيم الجمالية التي تنعش الذاكرة في الافتخار والاحتفاء بماضي الموروث الشعبي. وعوضك على الله يا أروى..!!.