ابوعبيدة يوافق على ادخال طعام للاسرى الصهاينة بشروط!    2228 مستوطناً متطرفاً يقتحمون المسجد الأقصى    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    قحيم يتفقد الأضرار الناجمة عن الأمطار بنقيل بني سلامة بذمار    الرئيس الزُبيدي يوجه بتكريم أوائل الثانوية العامة في الجنوب    أبين.. انتشال عشرات الجثث لمهاجرين أفارقة قضوا غرقًا في البحر    بدلا من التحقيق في الفساد الذي كشفته الوثائق .. إحالة موظفة في هيئة المواصفات بصنعاء إلى التحقيق    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    وفاة مواطن بصاعقة رعدية في مديرية بني قيس بحجة    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    مونديال السباحة.. الجوادي يُتوّج بالذهبية الثانية    مجلس القضاء الأعلى يشيد بدعم الرئيس الزُبيدي والنائب المحرمي للسلطة القضائية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    الرئيس الزُبيدي يلتقي قيادة قطاع الطيران ويؤكد دعم جهود إعادة بناء القطاع وتطويره    وزير النقل يبحث مع نائب مدير مكتب برنامج الغذاء العالمي اوجه التنسيق المشترك    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    انتشال جثة طفل من خزان مياه في العاصمة صنعاء    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    مجموعة هائل سعيد: نعمل على إعادة تسعير منتجاتنا وندعو الحكومة للالتزام بتوفير العملة الصعبة    أمين عام الإصلاح يعزي عضو مجلس شورى الحزب صالح البيل في وفاة والده    عدن .. جمعية الصرافين تُحدد سقفين لصرف الريال السعودي وتُحذر من عقوبات صارمة    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    اكتشاف مدينة غامضة تسبق الأهرامات بآلاف السنين    العملة الوطنية تتحسّن.. فماذا بعد؟!    منذ بدء عمله.. مسام ينزع أكثر من نصف مليون لغم زرعتها مليشيا الحوثي الارهابية    كل مائة ألف تشتري بها راشن.. تذهب منها 53 ألف لأولاد ال ؟؟؟؟    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    خيرة عليك اطلب الله    مليشيا الحوثي الإرهابية تختطف نحو 17 مدنياً من أبناء محافظة البيضاء اليمنية    صحيفة أمريكية: اليمن فضح عجز القوى الغربية    طعم وبلعناه وسلامتكم.. الخديعة الكبرى.. حقيقة نزول الصرف    شركات هائل سعيد حقد دفين على شعب الجنوب العربي والإصرار على تجويعه    رائحة الخيانة والتآمر على حضرموت باتت واضحة وبأيادٍ حضرمية    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    يافع تثور ضد "جشع التجار".. احتجاجات غاضبة على انفلات الأسعار رغم تعافي العملة    عمره 119 عاما.. عبد الحميد يدخل عالم «الدم والذهب»    لم يتغيّر منذ أكثر من أربعين عامًا    العنيد يعود من جديد لواجهة الإنتصارات عقب تخطي الرشيد بهدف نظيف    غزة في المحرقة.. من (تفاهة الشر) إلى وعي الإبادة    السعودي بندر باصريح مديرًا فنيًا لتضامن حضرموت في دوري أبطال الخليج    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    قادةٌ خذلوا الجنوبَ (1)    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    لاعب المنتخب اليمني حمزة الريمي ينضم لنادي القوة الجوية العراقي    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    كنز صانته النيران ووقف على حراسته كلب وفي!    دراسة تكشف الأصل الحقيقي للسعال المزمن    ما أقبحَ هذا الصمت…    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    وداعاً زياد الرحباني    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاشقة التراث تحذر من فقدان الذاكرة
نشر في رأي يوم 07 - 08 - 2006

تعاني أروى عبده عثمان من هوس خاص لتكون الأكثر اهتماما بالموروث الشعبي اليمني، وفي فترة وجيزة تمكنت من جعل اسمها رديفا لقصص الجدات، وألعاب الأطفال القديمة،
منذ عرفت كاتبة وقاصة جميلة لا تنسى إضافة عبارة: "المراسلة خطوة أولى لحماية تراثنا الشعبي.. أجمع ودون ما تستطيع جمعه من تراث وأرسله إلى مراكز الدراسات" في نهاية كل كتاباتها حتى أصبح شعارا فريدا.
وبلغ إخلاص "عثمان" لقضيتها درجة أنها خصصت جائزة الشارقة للإبداع الأدبي عن فن القصة القصيرة التي نالتها عن قصتها "تنكا بلاد النامس" لتأسيس بيت الموروث الشعبي، بالإضافة إلى مصروفها الذي توفره منذ كانت طالبة في الثانوية.
وتمكن هوسها من تخليد "سوق الصميل" الشعبي الذي عاشت فيه جزءا من طفولتها، ومنحت "النامس" اليمني شهرة لم يكن يحلم بها أي "بعوض" في العالم، وفي كل حديث لها عن الموروث الشعبي لا تنسى "جدتها"، أو "ذاكرة قرية جاءت إلى المدينة" كما تسميها.
ومؤخرا يبدو أن اهتمامات عثمان تطورت، وأصبحت أكثر طموحا، كما أن التهم الموجهة إليها كبرت رغم أن بيتها الصغير مهدد بالإغلاق لأنها كما قالت: "لست استثمارية"، وقد تحدثت إلى نجيب هبة من "رأي نيوز" عن هوسها، وبدايتها مع الموروث الشعبي اليمني، وما الذي تفكر به الآن. فيما يلي الحور:
- متى بدأ اهتمامك بالتراث، وما سبب هذا الاهتمام؟
لا أستطيع تحديد البداية تماماً، ما أتذكره أن التراث جزء من ذاكرتي النفسية والوجدانية وتركيبتي العقلية حيث أنتمي إلى حارة شعبية في مدينة تعز وهي في سوق شهير أسمه (سوق الصميل)، هذا السوق والحارة بشكل عام جوها وناسها وكل تفاصيلها جزء مني فأنا تمثلت كثيراً شخصية النساء اللواتي يبعن في السوق، جالبات (الحقين) والسمن البلدي ذوات الثياب (المزهنقة) والمشجرة وحتى المجانين الذين كانوا في السوق وبائعات الأعلاف.
كل أولئك تمثلتهم من حيث لا أدري فهذه التفاصيل تمشي في نسيجي، فلا أستطيع أن أحدد متى بدأ اهتمامي بالتراث فهو أولاً اهتمام فطري، بعد ذلك كلما مرت السنين كلما اتسعت الرؤى ففي فترة من الفترات كنت أرى أن هناك أشياء جميلة جداً بدأت تختفي لا أدري لماذا؟
مثلاً بدأت ملامح السوق الجميلة والبريئة التي في ذاكرتي تخبو قليلاً وأجد أشياء جديدة تمحى ليس فقط الأشياء المادية وإنما أيضاً تمحو أشياء حميمة وأليفة فكنت أنزعج جداً من ذلك.
- هل هذا الاختفاء الذي كنت تلاحظينه سبب رئيس في زيادة اهتمامك بالتراث؟
لا.. إنما ظل اهتمامي بهذه الأشياء تلقائي وأيضاً أن بيتنا كان يأتيه الناس من كل مكان فكنت أرى المداحين والراقصات الشعبيات اللاتي يأتين من مناطق مختلفة من اليمن، أي أنه كانت هناك حياة جميلة جداً ومنسجمة مع البيئة، بعد ذلك بدأت أشياء تختفي وتأتي مكانها أشياء لا تنسجم مع البيئة فهذه تركت لدي تساؤلات طفولية، وعندما بدأت دراستي الجامعية بدأت أرى أنه ليس فقط الأشياء المادية تتغير وإنما نفوس الناس أيضاً تغيرت وجفت كثير من منابع الحياة الطبيعية والألفة والمحبة وبدأ الناس يلهثون، لا تدري على ماذا؟ أصبحت ترى بيتاً حميماً عمره أكثر من خمسمائة عام يهدم ويبنى مكانه بناءً خرسانياً حديثاً، المرأة التي تبيع (الحقين) تغيرت ثيابها وأصبحت تتكلم بلغة إلى حد ما تلفزيونية استهلاكية، مسجد معمر منذ آلاف السنين يهد بكل بساطة بحجة أنه قديم، هذه الأشياء كانت تزعجني كثيراً.
إلى جانب ما ذكرت هناك أيضاً محطة في حياتي هي جدتي (والدة أبي) التي اعتبرها ذاكرة لقرية أتت إلى المدينة وأنا صغيرة فلم أكن أشعر أنها تمتلك ذلك الكنز وعندما ماتت أحسست أنني فقدت شيء مهم جداً وأن ذاكرة مكان وذاكرة أجيال اختفت ولم استطع أن أدون شيئاً مما كان لديها.
- كيف بدأت بجمع التراث؟
بداية الفكرة لأنها كما قلت لك جزء من طبيعتي ثم شعرت أيضاً أن هناك أشياء كثيرة ستنتهي فكنت عندما أجد رجال ونساء أدون ما لديهم من أغاني شعبية وأمثال وتفاصيل العادات والتقاليد ولكن ذلك كان بطريقة فردية لا تخلو من عشوائية ثم بدأت أوسع دائرة البحث من محيط عائلتي فأبحث عن أناس من صنعاء ومن ذمار ومن حجة ومن مناطق مختلفة وأدون كل ما أجده لديهم حتى ما هو موجود في كتب أو دفاتر.
- هل وجدت تجاوباً مع النداءات التي أطلقتها عبر الثقافية لجمع وتوثيق التراث؟
ليس عبر الثقافية فقط حتى في المقالات السياسية وذات النقد الاجتماعي الساخر التي كنت أكتبها أضمن فيها هذا النداء "دون ما تستطيع جمعه من تراث وأرسله إلى مراكز الدراسات".
- وهل وجدت تجاوباً..
في البداية كان هناك إلى حد ما تجاوب، واعتقد أن القات لدينا هنا يمنع الناس من التفاعل والتجاوب ولدى هؤلاء أظن أن التحديث هو الذي يحاكي ما هو سائد لكن أن ترجع إلى القديم أمر غير مقبول نوعاً ما.
هناك شيء آخر كان يطلبه البعض ممن كان يأتي لي بأمثال شعبية فهو يأتيني بخمسة أو عشرة أمثال ويريدني ن أنشرها في الصحيفة ليس حباً في أن تنشر هذه الأمثال وإنما كي يرى اسمه على الصحيفة، ولكن لا أنكر أن هناك أشخاصاً استفدت منهم في بعض الحكايات والأمثال الشعبية والأغاني، أما الآن فقد انتهت تلك المرحلة التي كنت أجد خلالها رسالة أو رسالتين عندما أفتح البريد فلم أعد أجد شيئاً ففي البداية الناس يتحمسون لآي شيء.
- أذن لم يكن التجاوب بالحجم الذي كنت تتوقعين؟
في البداية الناس يتحمسون ثم يقل ذلك الحماس لا أدري لماذا؟ واعتقد أن القات سبب رئيس فقد جعل الناس ينهزمون لأبسط شيء ففي لحظة واحدة يتفاعلون بشدة ثم فجأة ينتهي ذلك التفاعل فقد جعل حياة الناس كالومضة.
- دعينا نفترض أن الموروث الشعبي اليمني انقرض ونسته الأجيال الجديدة كيف سيكون وضع المجتمع؟
ليس هناك شيء يمكن أن يختفي فما هو اليوم حديث سيصبح غداً جزء من الذاكرة وهذا شيء طبيعي ولا ينتهي التراث بدليل أن أشياء منذ آلاف السنين لم تمت حتى الأشياء التي لم تدون كالأمثال الشعبية مازلنا نتداو لها.
- ولكن ما حصل في السنوات الأخيرة من تطور تكنولوجي وتداخل ثقافات وشعوب لم يحصل خلال آلاف السنين؟
شيء طبيعي أننا مع التطور فمن غير المعقول أن نرفض إدخال الكهرباء أو شق طريق بحجة أن نحافظ على التراث، طبيعي أن التراث سيتغير مع تغير وتجدد الحياة فهو لن يتوصل وسيجد له حياة جديدة فالتراث متجدد وليس متحجر ولا يمكن أن يكون كذلكن فمثلاً في مرحلة السبعينات كانت أشياء يراها الناس حداثية صارخة واليوم نبحث عن السبعينات باعتبارها كانت تمثل وقفة مع كثير من تفاصيل التراث.. وهكذا.
- ماذا كانت نتيجة النزول الميداني الذي قمت به للمحافظات لتسجيل أشكال التراث المختلفة؟
النزول الميداني كان أغلبة بشكل فردي فكنت أنزل إلى المحافظات وأدون في مذكرتي وأصور بكاميراتي وبعد ذلك تعاونت مع الإعلام كي ننتج برنامج عن التراث الشعبي ولكنه فشل بسبب عدم وجود آلية مشتركة فكنت أعمل في وادي وأصحاب التلفزيون في وادي فالتراث عندهم هو اللحظة أي أن تستعرض رقصة أو زامل فقط ولكن أن تكتب المادة من الميدان فلا، والآن 90 شريطاً مهملاً في دواليب القناة الفضائية رغم أنه كان جهداً غير عادي استمر عدة أشهر في الجبال والوديان ووصلنا إلى منطقة منبه على الحدود مع السعودية والآن وكأنك يا بوزيد ما غزيت حتى أنني لا أمتلك نسخاً من تلك الأشرطة.
- رغم أن التلفزيون يهتم بالتراث ببرامج فلاشية..
نعم .. قلت أنها برامج فلاشية فهناك فرق بين أن توثق لحرفة أو لطقس معين وأن تصنع ومضة فما يقومون به مجرد دعاية..لكن ما كنت أنوي القيام به له جانبين أحدهما جانب إعلامي والآخر توثيقي ولكن للأسف فشل الجانبان معا، لأنه ومع احترامي للقناة الفضائية إلا أنها تحب أن تكرر نفسها في أشياء فلديهم الزامل مثلاً يستمرون في عرضة وتكراره ليلاً ونهاراً حتى يكرهه المشاهد رغم أن لدينا بعدد وتنوع..
اليمن ليس (برع) ولا هي (جنبية) ولا (سماطة) على الرأس إنما هي كل هذا التنوع وكل هذا التداخل فلماذا لا يبحثون عنه؟ القناة الفضائية تلهث وراء المال ولا علاقة لها بالإعلام ولا بالثقافة.
- عرفنا سبب فشل الجانب الإعلامي.. ولكن لماذا فشل الجانب التوثيقي؟
لأنني لا أمتلك الإمكانيات الكافية فإمكانياتي فردية وعملية التوثيق والمسموح يفترض أن بقوم بها الدولة ومؤسساتها، واليونسكو في وثائقها وأدبياتها تقول أن الدولة تقوم على عاتقها مسئولية توثيق التراث وحمايته فما قمنا به مجهودات فردية.
- ولكن ما قمتم به مجهودات غير عادية وتستحقون الشكر عليها..
أنا لا أبحث عن الشكر فأنا أحب التراث الشعبي وعندما أخلص لهذا الشيء أشعر بالسعادة فهنا سعادتي.
- بيت الموروث الشعبي الذي قمت بتأسيسه أليس توثيقاً للتراث؟
طبعاً هو توثيق للتراث وهذا هو هدفه ولكن بعض الناس يقولون أن التوثيق شأن الدولة ولا علاقة لنا به ولكن أنا أحب هذا الشيء وقد توفرت لي ظروف مادية إلى حد ما مكنتني من عمل ما أحب والذي أحس أنه لابد أن أقوم به.
- نفهم من هذا أنك لم تتلقى أي دعم لمشروع بيت الموروث؟
ليس هناك أي دعم .. إطلاقاً .
- لا من حكومة ولا من مؤسسات دولية؟
إطلاقاً لم أتلق أي دعم حكومي ولا دعم دولي، إنما كان معي قطعة أرض يتيمة بعتها إضافة إلى الجائزة التي نلتها عن مجموعة " تنكا بلاد الناس" فصرفت ذلك في تأسيس بيت الموروث،وكان لدي أشياء بدأت بتجميعها منذ 15 عام وضعتها في البيت وهكذا أسسته بإمكانياتي البسيطة جداً.
- ما دمت لا تملكين أي دعم فلماذا تتعبين نفسك؟
قالوا عني مجنونة وغبية والبعض غير مصدقين أن إنسان لا يملك شيئاً ويقوم بما قمت به ولكنني سعيدة بذلك.
- هل قالوا أنك مدعومة؟
نعم قالوا أكيد هذه مدعومة وهذا ما لم يحصل.. ولكن عندما أقمنا مهرجان المدرهه....وهو أول عمل لبيت الموروث حصلنا فعلاً على دعم من مؤسسة حماية الآثار والتراث و الحمد لله نجح المهرجان نجاحاً غير عادي.. أما الآن فإن البيت مهدد بالإغلاق لأن المال الذي أسسته به انتهى وأنا لست رأسمالية ولا أملك شركات ومع ذلك قالوا لي أخرجي الأموال الأمريكية مع أني لم أر أي أمريكي فالإشاعات تخرج بشكل غير طبيعي والناس لا يصدقون أن إنسان يمكن أن يبيع أعز ما لديه من أجل أن ينفذ ما يؤمن به ولكن يبقى عندي أمل أن البيت سيلقى اهتمام في المستقبل.
هل تستطيعين الآن القول بأنه لا خوف على التراث اليمني من الاندثار؟ بمعنى هل الجهود التي يقوم بها بيت الموروث كافية لذلك؟
بالتأكيد هي ليست كافية ولا تشكل نقطة في بحر فما نقوم به مجرد محاولة ويفترض أن تتحمل الدولة مسؤولية جمع توثيق التراث فعلى وزارة الثقافة أن لا تكتفي بتلك الومضة مثل أن تأتي ببعض راقصين يؤدون استعراض في التحرير أو امرأتين من جبل(صبر) ترتديان (الزنان) فلا يمكن أبداً أن يكون هذا هو التراث فقط، فهناك أشياء كثيرة تندثر الآن مع شق أول طريق, مع دخول تلفزيون مع دخول الكهرباء وهكذا تنتهي ذاكرة شعب وتنتهي ثقافة وينتهي تاريخ.
فكل ما تم الآن للتراث الشعبي هو جهود فردية سواء كانت من يمنيين أو من أجانب فما قام به البردوني جهود فردية وعلي محمد عبده جهود فردية والصبان جهود فردية وغيرهم.
وأين دور الدولة من كل ذلك؟
الدولة مع احترامي لا علاقة لها لا بثقافة ولا بإعلام والدليل أننا ننحدر من سيء إلى أسوأ رغم عدم وجود أي مؤهلات صناعية لدينا فعلى الأقل ما دام لدينا سياحة ثقافية ومحصلة تراثية جميلة وغنية لماذا لا نهتم بها ونخصبها.
أليس لدى الثقافة أي جهة معنية بالتراث؟
لا يوجد لديهم جهة معنية بحماية التراث إنما هناك جمعيات فردية صغيرة وخاصة هي التي تهتم بالتراث وهناك أفراد بدون جمعيات يقومون بتدوين التراث.. لكن متى نفذت الدولة مسح؟ رغم أننا نلاحظ دول أوربية وحتى دول عربية نفطية تراثهم إلى حد ما شحيح ولا يصل إلى غنى وتنوع تراثنا إلا أن لديهم اهتمام ولديهم مراكز تراث وثقافة وينشرون ذلك التراث عبر مختلف الوسائل ونحن لدينا كنوز ولدينا تراث متنوع يختلف من قرية إلى قرية ومع ذلك لا يحٌرك ساكناً.
كانت صنعاء عاصمة للثقافة العربية وما أنجز كان جيداً جداً ولكن لم تكن الوزارة لتخسر شيئاً إذا أنشأت مراكز توثيق للتراث الشعبي حيث من الممكن أن تدعمها في ذلك منظمات دولية كان بإمكانها أن تنشئ مراكز لتوثيق الموسيقى وأن تنشئ مسارح وأن تهتم بالتراث بشكل عام وتصنفه وهذه أشياء تستطيع أفقر دولة أن تفعلها.
يريد القارئ أن يعرف ما المقصود بالتراث المادي والتراث الروحي؟
التراث الشعبي بشكل عام يقسمه علماء الفلكور إلى تراث مادي وتراث روحي التراث الروحي يشمل التراث الشفهي مثل الزوامل المهاجل الموالد الدينية المسامرات المساجلات النكتة العادات والمعارف والمعتقدات.
والتراث المادي هو ما يهتم بالزينة بالعمارة بالألعاب الشعبية والأزياء الشعبية أدوات المطبخ.
ما هي أهم خصائص ومميزات الموروث اليمني؟
التراث اليمني مثل أي تراث فيه المادي والشفهي ولكن تراثنا فيه تنوع وثراء وفيه تجدد فمثلاً الأزياء الشعبية أو اللهجات الشعبية نلاحظ أن هناك تغيير فيها من منطقة إلى أخرى ربما لا تبتعد عنها أكثر من 10 كيلو مترات وكذلك في نوعية الأكل ونوعية الأدوات المستخدمة في الزراعة فالتراث اليمني يتميز بتنوع غير عادي، حتى التراث الشفهي فمثلاً حكاية (ورقة الحناء) تروى في هذا الجبل بطريقة وفي الجبل الآخر بطريقة أخرى.
ولكن هذا التنوع والتعدد الذي أوجدته لنا الطبيعة هناك بعض الجماعات مع احترامي تأتي لتطمس كل معالم هذا التنوع أحياناً بإيديولوجية عسكرية وأحياناً بأيدلوجية دينية، فمثلاً تجد في منطقة ريفية أن الأزياء متجانسة مع اللون والخضرة فيأتي هؤلاء بكل بساطة ويفرضون اللبس الأسود ويقولون الغناء ممنوع والزامل ممنوع (المهجل ) ممنوع وبدأت كل تلك الأشياء الجميلة تنتهي فعلاً .
من تقصدين بهذه الجماعات؟
جماعات الإسلام السياسي.
لماذا يمنعون هذه الأشياء ؟
بحجة أنها حرام، فعندما تأتي في منطقة كلها ألوان وتفرض لبس اللون الأسود فإن الأسود لا ينسجم إطلاقاً مع زهور الطبيعية وينتج تناقض غير عادي فهؤلاء حولوا الحياة إلى مأتم فعندما نزلت آخر مرة في عام 99م إلى أحدى المناطق الريفية لم أسمع صوت امرأة ولا صوت رجل ولم يعودوا يؤدون الرقصات كما كانوا فقد فصلوا الرجال عن النساء وهؤلاء المعتدلين أما المتطرفين فحرموا الغناء وحرموا الرقص وحرموا كل شيء، فالتكنولوجيا الحديثة أثرت فعلاً على التراث ولكنها لم تقتله كما قتله هؤلاء.
ألم تتهمي بالدعوة إلى التبرج؟
اتهموني في الصحف وفي رسائل البريد الإلكتروني بأنني منحرفة ومارقة وأدعو إلى التفسخ وقد أعتدت على ذلك وسمعته كثيراً ونشرته في الصحف ولا أخاف من ذلك، أنا باحثة وأرى الأشياء برؤية موضوعية ناقدة أرى ما يحدث فعلاً وأن 90% من التراث الضائع تتحمله جماعات الإسلام السياسي.
عملية طمس هذا التنوع التراثي ألم تلاحظي أنها لم تظهر إلا في فترات متأخرة؟
نعم.. ذلك صحيح فمن قبل كان التراث يتغير التغيير الطبيعي له فإذا مر طريق تبدأ تتغير معالم الحياة وهذا ما يحدث في العالم كله ولكن أن تأتي جماعة محملة. بترسانة أيدلوجية دينية سياسية وتبدأ بالتنظير فهذا ما ليس طبيعياً.
يقولون كان الناس في الماضي جهلة..
لم يكن هناك جهل وإنما ما يحصل الآن هو الجهل.. في الماضي أنتج الناس أغاني العمل من أجل أن تخفف عنهم فلا يمكن للشخص الذي يعمل 18 ساعة في اليوم ألا ينفس عن نفسه، فالإنسان هو روح أيضاً بأي حق تقول له لا.
كيف يمكن أن نستغل التراث من أجل تنشيط الترويج السياحي؟
في الفترة الأخيرة أحس أن ما يسمى ترويج سياحي لم يعد ترويجا، وإنما سميته (تمريج) سياحي لأنه جعل الناس يعتقدون أن التراث سلعة.. نعم قد يكون سلعة ولكن ليس المطلوب ذلك الترويج المستهلك الذي يضيع قيمة الشيء، فيجب أن يكون الترويج السياحي بمعنى أنهم يصنعون أشياء لأجل إرضاء"العيون الزرقاء".
لكن هناك مسخ للتراث وعبث به أيضاً، وأحذر من مسالة العبث بالتراث فهناك أشياء في التراث قد انتهت وسلمنا بذلك لكن أن يعملوا على مسخ هذه الأشياء فمثلاً هذا الزي الشعبي المعروف أنه من منطقة معينة ينسبونه إلى منطقة أخرى كي لا يعرف السائح حقيقة ذلك الشيء فأنا وجدت في منطقة ثلا في صنعاء ثوب تهامي و يقولون أنه من هذه المنطقة مع أنه معروف ويختلف ثوب المناطق الحارة عن ثوب المناطق الباردة.
ما الغرض من تحويل التراث من منطقة إلى أخرى؟
سماسرة التراث يريدون من ذلك المتاجرة به لدرجة أنهم يبيعون أي شيء حتى أنهم انتزعوا القمريات الرخامية من النوافذ وباعوها للأجانب والمشكلة أن هذه الحرفة انتهت ولم يعدلها صناع وفي بعض المناطق مثلاً يأتون بفضيات من صناعة اليهود لأنهم كانوا معروفين على مدى التاريخ أنهم أصحاب حرفة فيصبغونها بأشياء جديدة مع أن لديهم قوالب فضية يمكن أن يستخدمونها في صياغة أعمال جديدة فكيف يأخذون الأشياء القديمة ويصبغونها من أجل أن تحاكي النمط الهندي أو غيرة فهذه تصرفات مزعجة جداً.
ولكن هناك صناعات حرفية يسمح ببيعها كنوع من الترويج السياحي؟
الحرف التي يعاد تصنيعها طبعاً يجب هنا أن يتم الاهتمام بالحرفيين أصحاب هذه الصناعات وبالتالي إعادة تصنيعها وترويجها بالبيع.. لكن عندما يكون هناك قطعة عمرها ألف عام بأي حق يمكن أن أعدل فيها لأبيعها فمن يقولون بذلك يريدون تحويل البلاد إلى بلد بلا ذاكرة ويدخل في ذلك أيضاً تهريب المخطوطات والآثار والتراث.
هنا دخلنا في قضية تهريب الآثار وهذا ليس موضوعنا؟.
هذا جزء لا يتجزأ مما يحدث.
بعض الجهات الأمنية في المطارات صادرت صناعات حرفية شعبية ظناً منهم أن هذه آثار.. هل لكم موقف من هذا الموضوع باعتباره يضر بالسياحة؟
هذا أسخف فاعتقد أن القطعة التي هي أثرية منذ ألف عام معروفة وما يعاد تصنيعه معروف لدى هيئة الآثار ولو كان الذي قام به متخصصاً ومدرباً لما فعل ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.