كل يوم تطل علينا عجائب وغرائب من كل صنف ولون والكثير منها ينطق على ألسنة البعض ومن خلالها، وبأفعالهم وتصرفاتهم تتضح الصورة، وندرك أن حالة الوعي ومستوى الفهم هما المحددان للأقوال والأفعال، ومن خلالهما تتحدد الرؤى ويجري تفسير الأحداث، ويتم التعاطي مع مختلف الأمور والقضايا، فإن أصاب الفهم وتحقق الوعي المطلوب بشكل سليم فكل الأقوال والأفعال تستقيم، وتتلاشى كل الاعتبارات والمحددات الأخرى، وتتراجع المفاهيم الخاطئة التي هي سبب الكثير من المشكلات والبلايا ولذلك لابد من خلق وعي سليم وتصحيح الفهم والمفاهيم قبل كل شيء وهو ما سيعمل على تفادي كل السلبيات والاخطاء التي لاتوصف بسوى العجائب ومع هذا يصرّ مقترفوها على أنها صحيحة وأن نظرتهم للأمور صائبة جداً، ولاتقبل النقاش في صحتها. بالأمس ساقتني الأسباب إلى مجلس يفيض بالعجائب والغرائب من كل الأنواع إلى درجة لا يمكن التصديق بأن المتحدث يملك عقلاً سليماً من العاهات التي تجعل منه سوياً في ظاهر الحال وهو ليس كذلك مطلقاً. وباختصار يمكن القول إنه مجنون وهو لايعلم ولا يبدو عليه ذلك. والمسألة هنا متعلقة بالفهم «الملخبط» والمعجون بالأوهام.. تحدث أحدهم معلقاً على جملة من الأحداث وأسهب في الحديث مصوراً كل مارآه ويراه على أنه حالة من الفوضى والانهيار الوشيك للأوضاع، حتى حركة المرور التي شاهدها في الشارع تدل على ذلك وتوقع أن يحدث السقوط العظيم قبل انتهاء جلسة القات التي أتاحت له إبراز مواهبه واستعراض قدراته في التحليل وتصوير الاوهام بكاميرا الحقيقة التي يحملها، وقد استدل بعدد من اللقطات العادية لحركة السير في الشارع وقال إنها البرهان الأكيد على ماذهب إليه من وهم وخيال.. وبعد أن صال وجال في كل الشوارع من خلال حديثه، انتهى به الأمر إلى حديث كشف من خلاله عن حساسيته تجاه كل شيء يراه. والحقيقة أن مسألة التنشئة لها دور كبير في صناعة نفس من هذا النوع المريض وأن التعبئة غير المدروسة وغير العقلانية والتي لاتراعي العواقب تصنع وعياً مشوشاً وتأتي نتائجها كارثية في أوقات كثيرة. لقد برهن ذلك المتحدث على حساسيته للأمور وقصور فهمه من حيث يعلم أو لايعلم عندما قال إن اللباس العسكري يستفز مشاعره ولايطيق رؤيته وينبغي أن لا يراه ولا يرى أحداً يلبسه مهما كانت الضرورة ولا ضرورة يمكن أن تقنعه أن هناك مايدعو لوجود أناس بهذا اللباس في أي مكان.. وعلى هذا الأساس استمر في سرد رقة إحساسه التي لايلائمها وجود هذا اللباس وأهله ولا حتى رؤيتهم من خلال شاشة التلفزة ولا في الاحلام أيضاً، إذ إن رؤية عسكري في الحلم تعد بمثابة كابوس عظيم يترك أثره في نفس هذا الرجل العصري لأيام عدة قبل أن يتعافى.. ولايقتصر الأمر على هذا وحده فثمة من اتفق معه في كل ما قاله عن حساسيته تجاه العسكر والزي العسكري ورأى في طرحه دليل وعي. والغريب والعجيب أن هؤلاء الذين يطرحون هذا الرأي لم يذكروا ميزة واحدة للأمن ولا ضرورة واحدة تقتضي وجود خدمات وحراسات لابد منها، ناهيك عن المهام الجسيمة الموكلة لاصحاب اللباس العسكري في طول البلد وعرضه.. والغريب والأغرب منه أن هؤلاء هم أول من يتساءل: أين العسكر أين الأمن والجيش إن حدث شيء ما في لحظة ما ومكان ما؟ فكيف جمع هؤلاء بين هذه المتناقضات، والصراع بين قناعة وأخرى ؟ هذا هو سر الغرابة وسر العجائب التي نسمعها من ألسنة البعض ويرفضون الاعتراف بما لديهم من حساسية ومن أوهام استطاعت أن توجه كل الآراء والمفاهيم عند البعض في طريقها وتغير الحقائق على النحو الذي ذكرناه، والعملية ليست فكرة شخصية عند فرد لكنها ذات أبعاد سياسية تستغل الأحداث.