انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحجاب الذي حيَّر المصور الصحفي
نشر في حشد يوم 11 - 06 - 2013


قراءة في حالة سمو نادرة
- مروان المخلافي

كثيرة هي المواقف التي تستحق التأمل والوقوف عندها ملياً في هذه الحياة، وهي مواقف حيالها يقف الإنسان مبهوراً ومشدوهاً لما يكتنفها من خبايا وخفايا ومايختزل فيها من دلالات واعتبارات ومايدور حولها من رموز، تأخذ من يراها سكرة لايفيق منها إلا اذا لسعته الحقيقة، وفي بعض الاحيان تذهب به إلى فضاء رحب مجاله فسيح يتغلب في جنباته متأملاً وموغلاً في تأمله وممعناً في النظر إليه.
مواقف تهز المشاعر وتوقظ العواطف وتسري في خواطر الناس أينما حلوا وأينما ارتحلوا، تفجر منهم كوامن الوجدان ومخلفة في كيانهم حالة من الذهول تطول أو تقصر لتحكم في ذلك قوة الموقف ومدى تعبير الصورة وايحائها في ذلك.
حديثنا في هذه الوقفة التأملية لايخرج عن اطار ماحددناه لواقعة كثيرة الاحداث في واقعها، إلا أنها تمثل وحدة سقوط الخلافة الاسلامية هناك في تركيا حيث العلمانية متربعة على عرشها، رافعة رايتها وحامية لقلعتها.
أفرزت الانتخابات البرلمانية فيها بفوز امرأة مسلمة وصعودها إلى البرلمان العلماني.
وفي أول جلسة لانعقاده وعند وصولها إلى باب المجلس ظهرت بحجابها ووقفت وكما لو أنها قد صوبت نحو النواب أسلحة بيولوجية أو أسلحة جرثومية حتى ضجوا وصاحوا وعلت أصواتهم معترضين على دخولها بحجابها وكيف تتجرأ على الدخول بحجابها وهيئتها تلك مما اضطر رئيس المجلس من منعها دخول المجلس وهي محجبة، وهي بدورها امتنعت من خلعه لعلمها ويقينها واقتناعها بأنه مبدأ لايمكن التفاوض فيه فضلاً عن التنازل عليه بخلعه.
إنها النائبة المسلمة الأولى التي تدخل برلمان تركيا العلماني بحجابها «مروة قوقجي» ومن منا لايعرفها وقد اذهلت العالم في حينه بموقفها ذلك الصارم وهي تمتك بحريتها في ارتدائها حجابها فسلطت عليها عيون الصحافة وأضواء الكاميرات وكان ممن سمع بها مصوراً صحفياً في وكالة رويترز للأنباء.
ذهب إلى هناك ليشهد بنفسه حقيقة الضجة التي أثيرت حولها وقف المصور الصحفي ملتقطاً لها صوراً بحجابها وقد ترك الموقف انطباعاً في ذهنه، ما الذي يمكن أن يضعه هذا الحجاب حتى تثور ثائرتهم وتقوم قيامتهم نحوها من منعها دخول المجلس بدون حجابها.
ترك ذلك الموقف في ذهنه انطباعاً أو صلة إلى حيرة لم يجد لها جواباً ثانياً في حقيقة مادار وماحصل.
وتزداد حيرته تلك من خلال موقف النائبة التي تمكست بحجابها الذي لايعدو كونه قطعة من قماش يكاد يغطي مساحة من رأسها لايتجاوز مساحة ظاهر الكفين.
انتهت مهمته ،أسئلة محيرة لازمته إزاء ما رآه من احتدام الجدل حول الحجاب مع إصرار النائبة على ارتدائه وعدم التنازل عنه في أي حال من الاحوال.
بعد فترة وجيزة لاتبعد كثيراً عن الحادثة الأولى وبالتحديد خبر جاء من داخل قناة الجزيرة القطرية مفاده ان مذيعة وقارئة نشرة أخبار القناة خديجة بن قنة قد تحجبت في أول ظاهرة استقبلها الرأي العام عن مذيعة لها باع طويل في الاعلام في قناة محترمة لها اعتبارها في حادثة هي الأولى من نوعها.
قامت الدنيا ولم تقعد بين مؤيد ومعارض إلى درجة وصلت فيها التهاني المباركة للمذيعة على ارتدائها للحجاب بلغت مبلغها إلى درجة أن أصبح مراسلو القناة قبل أن يتحدثوا عن تقاريرهم يبدؤون بالحديث عن التهاني التي وصلتهم وحملوا أمانة توصيلها تبارك مذيعتهم لارتدائها الحجاب حتى إنه في مرة من المرات ظهرت مراسلتهم في رام الله في فلسطين بدأ احد تقارير ها بستة آلاف تهنئة تقريباً وصلتها تهنئ المذيعة على حجابها.
وفي الاتجاه المعاكس وجد المصور الصحفي كيف أن بعض الاصوات انطلقت تتجنى عليها بسبب حجابها.
وقعت هذه الأحداث على مرثى حجر من عين مصورنا الصحفي الذي عاد إلى وعيه مستذكراً حادث النائبة المسلمة مروة قوقجي التي لم تزل تشغل باله توقظ مضجعه حمل كاميرته متوجهاً إلى حيث اصل الحدث،إلى مذيعة القناة المحجبة وفور وصوله عاينها بحجابها والتقط صوراً بزيها الجديد الذي ظهرت به غير آبهة بالأصوات التي نادة بخلعه، مما وسع فجوة الحيرة عند مصور وكالة رويترز متسائلاً ما الذي يحدث وماذا يجري؟ وماقصة الحجاب عند الملتزمات به؟ وماهذا التشدد والتمنع في لبسه؟ وأن التنازل عن خلعه في بعض الأحيان يعني ضرب في ضروب الخيال كما لوأنه يشبه خلع الجبال.
لعل المشكل عند هذا المصور الصحفي هو أنه لم يأخذ عبرة من كتاب الله وسنة رسوله ولم يحو شيئاً من نور الاسلام ولم يعلم بتعاليم هذا الدين الأمر الذي عقد المسألة في تفكيره وزاد من ثوران حيرته في داخله.
وفي معمعة الاحداث المتسارعة يأتي قرار فرنسا الذي يقضي بمنع المسلمات من ارتداء الحجاب.
في المدارس الفرنسية الحكومية، فكان هذا القرار بمثابة صب الزيت على النار حتى اشتعلت فلم تترك أحداً إلا واصطلى بنارها أو اكتوى بحرها حتى فتح الباب على مصراعيه،مظاهرات في بلدان شتى، لاتهدأ مظاهرة الا وتقوم أخرى على غرار اختها تنديداً بقرار فرنسا حتى واقعاً يعلن عن نفسه يقول ماذ أصاب فرنسا حتى تتجنى على حجاب المرأة المسلمة.
سؤال وقف عنده المصور الصحفي طويلاً بتأمله وهو يشاهد هذا العالم ينتفض من اقصاه إلى اقصاه بمظاهرات سليمة منددة بقرار فرنسا، وفي الطريق الآخر سؤال يلح عليه ما الذي يمكن أن يعنيه الحجاب عند المسلمين حتى يقوموا بمثل هذه المظاهرات الرافضة لقرارات فرنسا المتجهة في تقتينها إلى الاضرار بالمسلمات ثقة في حضارتها ورقيها.
لم يخف المصور الصحفي حيرته التي ألوت عليه من حدب وصوب وأحاطه به احاطة السوار بالمعصم حتى وصل السيل الزبى وبلغت حيرته عنق الزجاجة التي يكاد كيلها أن يطفح وكيف لايحار وقد وصل الأمر ذروته أن حدا بطالبة مسلمة أن تعترض على هذا القرار بحلق شعر رأسها وهناك عند باب المدرسة الحكومية تجمعت وسائل الاعلام لتتفاجأ بهذه الفتاة وهي تخلع حجابها عند باب المدرسة وقد حلقت شعر رأسها تريد من خلال ذلك أن توصل رسالة قوية مفادها ان كرابة المسلمات هناك قد مست وأن شرفهن قد لحقه الأذى من جراء قرار فرنسا الجائر في حق المسلمات متسائلات بأي ذنب يحدث ذلك.
بقي المقام به ملتقطاً صوراً هنا وصوراً هناك لمثل هذه المظاهرات وخاطره الحاضر معه يلتقط صوراً يختزلها في اسئلة كثيرة تجمعت في سؤال واحد كبير «ما الذي يعنيه الحجاب عند الملتزمات به من المسلمات حتى يتمسكن به إلى هذا الحد»؟
وبعد هذه الاحداث كان هذا المصور الصحفي قد ارسلته وكالته إلى فلسطين لتغطية الأحداث هناك والتقاط أروع واميز الصور المعبرة خاصة وأن الاحداث هناك ساخنة.
ومن يوم أن وطأ بقدمه أرض فلسطين وفي خاطره سؤاله الكبير الذي يتمنى وتمنى مراراً وتكراراً أن يجد له حلاً أو جواباً، يذهب عنه غبشاً وضبابية عشعشت في ذهنه وتكاد لاتفارقه «ماقصة الحجاب مع الفتاة المسلمة»؟
يريد أن يصبح بهذه الدنيا وأن يصل صوته سمع الزمان يناشد عله يجد جواباً لسؤال أرقه بلغت حيرته مداها وذاتها الاسئلة تطارده اينما ذهب أو عرج.
لم يرم به الحال طويلاً فقد كان مع موعد جميل هيأت له الاقدار ودبرته عناية المولى، كان توقيته أكثر من راع لأنه جاء في وقت له كثير من الدلالات والاعتبارات.
ففي صباح أحد الأيام هرع المصور الصحفي بعد ماجاءه خبر محتواه أن انفجاراً عنيفاً وقع عند القلة الفرنسية في القدس المحتلة.
انفجار له أهميته الاستراتيجية فقد وقع بعد ما أصبح حجم التشريد على الحواجز لايطاق، والجنود على أقصى درجة من التأهب بعد ماسرت شائعات أن استشهادية تسللت إلى احدى المدن الفلسطينية المحتلة عام 48م.
فوقع ماكان متوقعاً، عملية استشهادية قامت بها الفتاة/ زينب عيسى علي أبو سالم لتحصد عدداً من الجنود وعدداً آخرين من الجرحى على حد اعلان العدو.
وقبل وصوله إلى أرض الحدث الذي مازال ساخناً ورائحة الدماء مازالت تفوح منه بشهود عيان اكدوا أن العائق الوحيد أمام الفتاة كان لبسها اللافت في مدينة القدس المحتلة حيث كانت ترتدي الزي الإسلامي «العباءة» ما اضطرها إلى تفجير نفسها عن بعد بعيداً عن الهدف المحدد بعد ما وقفت صباحاً تودع وطنها الغالي ملقية عليه التحية تختلج مشاعرها بين جوانحها.
تلقف المصور الصحفي هذا الكلام وكله تلهفاً إلى رؤية الاستشهادية بزيها الذي جعله يعيش في دوامة من التفكير حول مايمكن ان يمثله الحجاب عن المحجبات ومدى التزامهن به.
وفور وصوله إلى أرض العملية بدأ يتبصر ملامح وخيوط الحدث التي ستدل على منفذة العملية وحالها في ذلك حال من سبقها من اخوانها الذين اختاروا نفس الطريق وسلكوا درب الجهاد والاستشهاد لينطبق عليها وهي في صورتها تلك ماقاله شاعر الانتفاضة الدكتور/ عبدالرحمن العشماوي وقد وقف متأملاً في حال مجاهد مقدام تقدم ساح الوغى معانقاً حرامه الناسف التري عرف طريقه لمبتغاه فتبلغ ماتمناه.
إلا أن زينب كونها أنثى وقد اقدمت بعمليتها تلك بحجابها فقد وقع لها مالايمكن لأحدٍ أن يتصوره.
تقدمت بخطى واثقة غير مترددة أو متلكئة تقدم رجلاً وتؤخر أخرى.
تقدمت تحرسها عين الله وتكلؤها رعايته وتلاحظها عنايته يحددها شوق إلى لقاء الله فتمنعت بلباسها حتى بدت كالشمس في ضحاها أو كالقمر اذا تلاها لعلمها انها على وعد محقق مع كريم تتمنى رؤيته وهي بأبهى حلة وأروع هيئة.
فجرت نفسها بالقرب من جموعهم لتحدث هزة عنيفة زلزلت قلوبهم، ومابين طرفة عين وانتباهتها تجلت الصورة عن جثة صارت قطعاً متفرقة ومزع لحم تناثرت هنا وهناك رأيت كما رأيتم بقايا جسمها كيف ظلت تشتعل وتحترق بعد العلمانية.
أما رأسها فماذا نقول عنه وماذا عن مصير حجابها الذي التف حوله؟
لقد بدا وجهها وحجابها الملتف حولها كلؤلؤة داخل صدفتها لايبدو منها الا بريق نورها وتوهج شعاعها.
لقد كان منظراً فيه روعة التاريخ وتعدى بهيبته حدود الزمان والمكان ليبلغ صداه مدى بعيداً يصاب به حتى من لاينتمون لهذا الدين ولقد كان للمصور الصحفي حظ من ذلك.
لقد شاهد بأم عينيه وفاء المسلمة لحجابها أروع وفاء وفي أجمل صورة وكان الرد بالمثل من حجابها قد حفظها وبقي ملفوفاً على رأسها يعلن عن وفائه لها آه ما أروعه من موقف ولا أجمل منه، وصورة مشرقة أنعم بها من روعة كأنها صورة رسم قلمية وقف المصور الصحفي أمامها مشدوها تعلوه المهابة، تسمر في مكانه، أخذته في ذلك الوقت مهابة الموقف ومعاينة الرائعة التي ازدحمت عليه تتوارد من كل حدب وصوب بعد تجليه بهذه الصورة التي ابهرته وكيف لاتبهره معانيه وقد تحول جسمها إلى اشلاء متناثرة وبقي راسها لم يصب بأذى حفظه حجابها الذي كانت ترتديه وقت تنفيذ العملية.
وقف يتأملها متبصراً مايراه أمامه، ليتعملق في خلده أن مايراه يبقى خارجاً عن السياق إذ تبرز فيه للوردة أشواكها ليجد ذرات الخدود المتلفحات بعبير التوهج الأنثوي وعبقه في سن المراهقة اختارت الاحتراق بلظى المعركة لتتحول الانوثة الفلسطينية المتوهجة كالشهادة وهي في كامل التزامها بلباسها يعلوها مسحة من نور أبيض قد التف عليها من شحمة اذنها إلى شحمة اذنها إلى صرخة احتجاج في وجه التفسخ والعري وصرخة استثارة تستثير من خلالها فقراء الهمم والإرادة والتضحية من أجل المبادئ ليصدق فيها قول الشاعر وقد وقف تتقاصر كلماته ايفاءها حقها من القول فيها وقد متلث شموخاً في زمن منكسر ونقطة بيضاء في صفحة سوداء في واقع هذه الأمة.
حدث كل ذلك ومازال المصور الصحفي واجماً لاينبس ببنت شفه حيال مايراه وقد ذهب بخاطره يجوب به الآفاق ويطوي المسافات وهو واقف في مكانه إلى هناك منشأ حيرته ومصدر أسئلته ليبشرهم بمافيه البشرى في شموخ من نوع آخر تمثل في المشاهد الذي مازال حتى اللحظة يشاهده ويعانيه كعطشان يرتوي من ماء بحر كلما شرب زاد ظمؤه كيف لا وقد وجد الخبر اليقين لسؤاله في هذا النظر الذي قطع قول كل خطيب حتى وجد فيه شفاء لغليل ماكان يروده من أسئلة تدور كلها حول مايمكن أن يعنيه الحجاب عند المسلمات حتى وجد ضالته المنشودة.
وقف وليس يدري ممايتعجب أمن الحجاب الذي بقي كما لو لم تمسسه نار أم يتعجب من وجهها الذي بدأ وكأنه نور على نور يبهر من يراه آخذاً ألبابهم، وأصبح لايدري أيهما أغلى على الآخر أحجابها الذي حفظ رأسها ووجهها أم رأسها الذي تلفع بالحجاب وظهر به وكأنه شامة عز في جبنيها وغرة شموخ ارتسمت في ملامحها وتاج وقار خالته لبطولتها.
لقد صد عنها حجابها ماعجزت جيوش العرب عن صده، ودرأ عنها الردى الذي انغمس الحكام في مهالكه واستطاع أن يقيها حتى لسعات الشظايا المحترقة التي لامناص من الاحتماء منها مكافحاً في ذلك .
لقد بدأ كأنه قطعة من قلبها رضي الله عنها ماأرقها وماأجملها وماأروعها مااندى حياءها محجبة وهي مطرحة على الأرض قد سقطت شهيدة و ماسقط نصيفها لتبقى حصون العفاف غير مخترقة وقلاع الحياء ثابتة صامدة غير آيلة للسقوط ولكأنها والله قد خلقت للأدب والحياء والعفاف والعبادة والجهاد خاصة إذا ماعلمنا انها فتاة غير يائسة ولم تكن في حال من الأحوال كئيبة أو منطوية، بل كانت طالبة مجدة تمتلئ بالحيوية وإن كانت هادئة يرفرف في جوانحها حب اللطافة والبساطة في تعاملها مع الآخرين مفعمة بالعطاء.
لقد تملكه منها لخظة سمو نادرة قل نظيرها عند مثيلاتها سلبه لبه وعقله وأخذ بتلابيب حيرته يفك رموزها وكيف لايتملكه ذلك ويرى بعيني رأسه حالها، وقد هيمن على ادراكها وحلمها ومناها ومبتغاها ستر الله عليها حتى بعد اداء العملية الاستشهادية ولاغرابة في ذلك فأمها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي في الدنيا كانت تسأل عمن يدلها أو يعطيها كفناً تتكفن به بعد موتها يكفيها أعين الناس من بروز تقاسيم جسمها فأهدتها احدى الصحابيات كفناً غليظاً يفي بالغرض فأخذته عائشة رضي الله عنها.
تلمسته فوجدته كذلك حتى دمعت عيناها رضي الله عنها وقالت لصاحبتها: سترك الله كما سترتني.
وفي تلك اللحظات استشعر المصور الصحفي قشعريرة سرت في كيانه وهو ينظر إليها في تلك اللحظات وكأنها نهاية شريط بدأ في تصويره قد أصبح في طور وضع اللمسات الأخيرة عليه لتكتمل مشاهده وفصوله في نهاية متجلية واضحة قد تكون قصة أشبه بالأسطورة بقدر كونها حقيقية.
ثم بعد ذلك بكاميرته لايألوا جهداً ومغتبطاً في أن يلتقط لها صورة لايعرف في حياته صورة أروع وأجمل وأميز منها في شكلها ومضمونها ومعناها ومبناها، لم يجد أروع من مشهد كهذا لفتاة قد تحول جسدها إلى نتف من اللحم تنشطر حال وقوعها على الأرض ولم يبق منه إلا رأساً يعلوه حجاب لم يمس تقاصرت يدى العدا من النيل منه واستعصى على المتفجرات وعلى النيران حتى غدا بعيد المنال، يشهد مع التاريخ ويشهد له التاريخ أن لا قوانين فرنسا ولا قرارات تركيا ولانباح الكلاب المسعورة حتى ولانيران صهيون تستطيع أن تنزع عن المرأة المؤمنة حجابها الذي صار غصة وشوكة ورد تؤرق الاستراتيجيات وتتخلف عن قوته لمدافع فضلاً عن الأبواق الناعقة التي لايحلو لها إلا الاصطياد في الماء العكر ومحاربة كل ماله صلة بالفضيلة والعفاف.
صورة قد لاتعني للناس وهم يشاهدونها أكثر من كونها صورة من صور العز الشموخ في ميادين الفداء والاباء لكن ماتعنيه هذه الصورة المعبرة للمصور الصحفي الكثير الكثير وستبقى ذكراها محفورة في ذاكرته لما لها في نفسه من ذكرى عطرة محترقة كان له في يوم من الأيام كمنقذ له في وقت انقطعت عنه الأسباب فكانت له برداً وسلاماً لتزيل عنه ما نزل به.
وكم كانت الصورة ستكتمل وستبدو بأبهى حلة وأحسن طلة لو أن هذا المصور الصحفي عرج بوجهته بعد ذلك إلى دولة تدعي الديمقراطية وقيم الحيادية والاستقلالية كذباً وزوراً ليجد هناك قصة أخرى تستحق الوقوف عندها طويلاً وملياً تكاد لاتقل شموخاً وعلواً كسابقاتها وهو مانسبة المصور أو غاب عن ذهنه وذاكرته وكم كانت فرحته لو أنه وقف في النقاط صورة لهذه المسلمة لتعمق فيه نظرته للحجاب ومايعنيه لكل مسلمة ولترسخ عنده مفهوم الحجاب السامي في صروح العفة ودروب الحشمة والراقي في مدارج الطهر والفضيلة.
فمنذ أن كانت في الخامسة من عمرها وهي تحلم بالطيران الحلم الذي تغلغل في كيانها قبل أن ندرك أن طاقم الملاحين أغلبه من الرجال.. المهم كان حلمها الصغير أن تجلس وراء قعود الطائرة وتحلق في السماء.. وحلم كهذا يحتاج إلى غير قليل من الجرأة والاصرار ناهيك عن الخبرة اللازمة لتعليم هذا النوع من القيادة.
مضت نيرين مسالم في سنين دراستها تسعى وتسعى إلى أن أنهت التعليم الأساسي ثم التحقت بمدرسة الطيران في الولايات المتحدة الأمريكية، وتخرجت لتعيش حلمها حقيقة بل أثبتت كفاءتها لتغدو من خيرة الطيارين ومن القلة القليلة من الفتيات وتحقق حلم الطفولة وحلم الطفلة نيرين ليغدو عمل السيدة الكابتن نيرين سالم وتزوجت وغدت أماً لطفلة، ورافق تلك الأحداث نداء من أعماقها بناديها ويشد على أزرها، وإذا بها صوت نفسها يلح عليها بالوقوف مع ذاتها.
تعبر السيدة نيرين سالم عن تلك المشاعر قائلة:
عشت حياتي كما يقولون بالطول والعرض وحققت كل ماأريد لكن سعادتي الحقيقية كانت بعد وقفتي مع نفسي ورغبتي بالالتزام.
وبالفعل ارتدت نيرين مسالم الحجاب وزادت الصورة خصوصية أعمق.. سيدة عربية عرفت بالكفاءة في ادائها مهمة الطيران حيث كانت تقود لطائرة لساعات دون تعب أو ملل ثم بعد ذلك ترتدي الحجاب وتصبح الكابتن نيرين سالم الملتزمة المحجبة.
فوجئت نيرين بتخييرها بين حجابها وبين عملها المشغوفة به.. ولم يغفر لها شخصها الذي يقف حجة دامغة ضد زيف المعتقدات الغربية بأن المرأة المسلمة محاصرة وانها بحجابها قد كتبت على نفسها موتاً بطيئاً يقف بها في حياتها وكانت رداً بليغاً على الدعايات المتهكمة على حجابها.
أما أن تتميز بالالتزام وتصبح واضحة المعالم كسيدة مسلمة تلتزم قيم دينها ومتفوقة في مجال من مجالات التقدم والرقي فهذا شطط بالديمقراطية الإنسانية وتجاوزاً للحدود، وكانت النتيجة استقالتها الجبرية حيث طردت من عملها.
ودفعت الكابتن نيرين سالم ثمناً لتمثلها أمراً مهماً من أمور منها.
إنها صورة أخرى من صور العزو الفخار في ميادين الشرف والكرامة تجلت هذه المرة في مسلمة تحجبت عن قناعة وجدت فيها راحة بالها وطمأنينة لنفسها قد لايعد لها ماكانت تتقاضاه راتباً في عملها الذي يشكل عشرين ألف جنيه شهرياً ولاشغفها بعملها الذي سكن جوانحها واختلط بلحمها وعظمها ودمها وامتزج في كيانها.
لقد وجدت في حجابها حلماًَ حقيقياً وتحقق لتدرك بعد ذلك أن ثمنه غالٍ وأن مهر الكرامة أغلى، وضريبة الالتزام بدين الله قد تكلف الإنسان شيئاً باهضاً في حياته، فهمت ذلك ووعته لذلك ماتراجعت وماتوانت ولم ترجع الهوينا متقهقرة حتى خطوة واحدة فلها الوفاء عابقاً يعطر كل زوايا حياتها ولها الفخار تتجلى ومضات نوره تسطع في جوانحها ويمثلها بحق لكل محجبة أن تفتخر وترفع رأسها عالياً لتعلن عن سيادة حجابها لمملكة الطهر والعفاف والستر والحياء في الوقت الذي نجد العفاف بذبح وبراق دمه بطريقة ساخرة وينحر الحياء من الوريد إلى الوريد ولاعزاء له من أحد الا التزام من التزم به من أمثال من ذكرنا والأمثلة كثيرة والخير في الأمة اليوم أصبح سواده عظيماً تتجلى فيها صور فذة صاغها الإسلام لاتقل بطولة وفدائية ممن كافح وجاهد بالحراب والنسيان.
وكثيراً ممن تحجبن يسألن عن مدى التزامهن وثيابهن على ذلك فتأتي كلماتهن مجلجلة تعلن ألا عودة للوراء لتعمق فيهن القناعات وترسخ رسوخ الجبال الرواسي يدفعهن إلى ذلك الايمان ولا شيء سواه فأين من يفقهون ثقافة الإيمان والثبات على القيم ومعالى الخصال ورقي الفعال حتى تكون تحليلاتهم صادقة ومايكتبونه حقاً.
وأنا هنا أسطر بعض ماقالته نيرين سالم لعلمي أنها قد هضمت في نشر قصتها وفتح ملفها لتقتدي بها بنات جبلها فتقول أنا لا أشعر بالاضطهاد اطلاقاً لأني مع الله والله معي وهذا يكفيني».
ونحن حقيقة نستطيع أن نفهم لذة الايمان التي تتذوقها نيرين سالم ونجدها عزاء عن أية خسارة كما قالت عبر قناة فضائية إن كانت خسارتي لعملي وعدم قيامي به وانقطاع راتبي ثمناً لدخولي الجنة فأنا لم أخسر شيئاً كلام اسكتت به كل مثقوب عن حجابها أو الاصح عن تحجبها الذي لم يرق لكثير من كونها كابتن في قيادة الطائرات وهي حجة أذهن من بيت العنكبوت.
ثم لماذا لايتركوها وشأنها في ذلك شأن كثير من السافرات اللاتي لهن حريتهن في ارتداء مايحلو لهن ولم يتوقف الأمر إلا عند من تحجبت من ذوات القدرة والكفاءات كأني بها تقول
فليقولوا عن حجابي إنه يغني شبابي
وليغالوا في عقابي لا وربي لن أبالي
همتي مثل الجبال
أي معنى للجمال إن غدا سهل المنال
حاولوا أن يخدعوني صحت فيهم أن دعوني
سوف أرقى في حصوني لست أرضى في المجونِ
أنني رمز النقاء صرت والتقوى ضياء
إن لي نفساً أبية إنها تأبى الدنية
إن دربي ياأخية قدوتي فيه سمية
ونحن نتحدث عن المصور الصحفي في صعيد آخر كم كانت الدهشة والحيرة ستعتريه وستأخذ بعداً آخر أبعد مما أخذته تلك الوقائع ستجعله يتقلب بين نار الحيرة وجحيم الدهشة لو أنه كان قد علم أيضاً عن فتاة أخرى محجبة ولا أقول محجبة فحسب قد تلفعت به إنما قد تجلببت بنقابها الذي أسدلته على وجهها ورأسها.
هل كان بمقدوره أن يتصور فتاة منتقبة يمكن لها أن تكون استشهادية اختارت قدرها بشجاعة وبسالة لتخلف ذكرى وبطولة ستبقى محفورة في ذاكرة بحلى بالبطولة والفداء.
انها سناء قديح التي قاتلت ببسالة قبل أن تفجر حزاماً ناسفاً وسط ثلة من جنود الاحتلال لتترصدها طائرات العدو بصاروخ حول جسدها الطاهر إلى اشلاء تناثر في محيط المكان.
انها صورة من الصور ولكن تبقى صورة الكابتن نيرين سالم شاهدة على ازدواج المعايير عند بعض الفئات من فئات مجتمعاتنا التي تصر على موقفها المجافي للحقيقة في حق حجاب المسلمة رأت في ذلك كبحاً لجماح النفس عن اهوائها وخلالاتها ودفعها وسوقها في سلم كمالاتها بمحاذرة الغفلات ومنازلة الوسوسات ومغالبة النزوات والشهوات ثم بدوام المراقبة واستمرار المحاسبة مع أخذ النفس بالعزائم وإلزامها الفضائل والمكارم وبخاصة اننا في زمن الفتن والعجائب.. نستطيع فهم ذلك لكنني اتساءل كم كانت ستكون صدمة الحضور الصحفي لو أنه حظي بمتابعة خبرها واستجلاء مكنونات نفسها وخبائها.
إنها رسالة قوية ينبغي أن يفهمها وأن يعقلها ولاة الأمر والساسة ومعشر الكتاب والمفكرين والمثقفين حتى الإعلاميين وهم يتناولون قضية الحجاب.
ولقد كانت رسالة الفن بظلالها على ثغر من هؤلاء لزموا بعدها جادة الطريق بعدما تبين لهم خطأ طريقهم ومسيرهم وبعضهم خابت ظنونهم وطاشت سهامهم التي وجههوها للفتاة المسلمة المحجبة التي اثبتت وبامتياز مع مرتبة الشرف انها عكس مايظنون كذباً وزيفاً ادعاءهم أن الحياة تقف بالمحجبة عند مفترق طرق تجد نفسها في نهاية المطاف مضطرة لخلعه فبالعكس من ذلك جاءت النتيجة فلقد وجدنا انها حاضرة في المجتمع وفي الحياة حضوراً كله انتاج وطاقة وفي كل المجالات بمافيها المجالات الحيوية وماذكرناه عن قصة الكابتن نيرين سالم عنا ببعيد فماذا تريد بعض المجتمعات من المسلمة أكثر من ذلك حتى تمارس عليها ضغوطاً لتنزع عن رأسها حجابها بطريقة ساخرة ومفضوحة ومباشرة ليظهر لنا مدى الانتكاسة في المفاهيم والاختلال في الموازين والانفصام النكد الذي يعيشه بعض الغرب.
إن قصة نيرين سالم ينبغي أن تكون مثالاً في ماصنعته يحتذى به كيف لا وقد كللت مشوارها ذلك بموقفها الذي كحلت العيون وهي تشاهده.
لقد آن الأوان للذين لاينظرون إلا للنصف الفارغ من الكوب وبنظاراتهم السوداء التشاؤمية ويلوكون الكلام تثبيطاً وتقنيطاً لأصحاب المبادئ كي يتنازلوا عن مبادئهم وقيمهم التي آمنوا بها وتشربوها من لبان هذا الدين حجتهم في ذلك أن قطاعاً عريضاً من الناس قد باعوا مبادئهم وأصبح لم يعد ثمة من هم ثابتون على قيمهم ومن كل المستويات ومقللين من أهمية هذا التنازل السافر بأنه مسايرة لهذا العصر المنفتح الذي يجب أن يتعامل معه بشيء من المرونة والتراضي حتى وإن كان فيه تفريطاً في الثوابت والمبادئ وكذلك المرأة المسلمة لم تكن في ساعة من الساعات بمنأ من هذا الخطاب ومن هذا التثبيط وهذا التيئيس بل لقد كان لها خيطاً رفيعاً من هذا الكلام موجهاً إليها.
سيقولون ما الداعي للفتاة المسلمة أن تتمتع في لباسها وهذا الابتذال الرخيص الذي نشاهده على قنوات الارهاب التعهيدي اللاخلاقي وبالتالي ماالداعي إلى انتقابها بل وحتى تغطية رأسها وفي هذا المقام.
وهنا يجب أن نقرر بعض الحقائق التي قد تغيب عن الأذهان على ضوء ماذكرناه سابقاً وعرجنا على ذكره.
هو أن كل طريق بدأ بغير تهذيب النفس والعناية بها ورحمتها واعلاء روحها وتزكية وجدانها وتهذيب اخلاقها ينتهي إلى التيه في صحراء الغواية والشقاء والضياع.
وحين تصاغ النفس صياغة ربانية عذبة جميلة على أساس من تعاليم الله قائمة على مبادئ ثابتة نابعة من أصل هذا الدين الذي هو الركن الركين والحصن الحصين فإن النفس تبلغ قيمة الحضارة والرقي والسعادة والنشوة سواءً أكان صاحبها يركب حماراً أم سفينة فضاء وهو ماكان عزاءً وسلواناً لنيرين سالم وسواء كذلك كان يسكن كوخاً على ظهر الأرض أو يسكن قصراً على سطح القمر، وسواء نال أطيب الطعام وأجمل النساء وألين الملابس أو عاش على الكفاف في ذلك كما يعيش أكثر الناس.
ومادامت الأخلاق والقيم والمبادئ لاثبات وجودنا الحضاري المعتبر وبها يدافع عن أنفسنا ومقوماتنا في حياتنا فلابد من ايجاد قدرات رشيدة ربانية، ايجاد جيل يجب أن يمارس مفهوم القيم والأخلاق والمبادئ يتخير منها عودها الصلب ويشتم منها عبقها الفواح ويستروح من شذاها الجميل العليل وبذلك يعيش الفرد المسلم في ظلال أعظم تشريع وأشرف وسيلة وأرقى منهج وأسمى مبدأ وأقومه لنجده بعد ذلك صاحب جهد عظيم وعمل كبير ونية خالصة وارادة صادقة وعزيمة لاتعرف الوهن يستحق أن يكون بعدها قدوة وأسوة بين أقرانه لما حازه من مقومات ومؤهلات حقيقية جعلت منه ذلك.
وتبقى سعادة الإنسان في مبادئه التي آمن من بها وبذل في سبيلها كل رخيص ونفيس قد يعمدها بدمه في بعض الأحيان في أبهى ولاء لله وأسمى معاهدة مع الله ثم لعلمه ويقينه أن أصحاب المبادئ خالدون.
فالسعادة فيها فيض ينبع أصله من داخل النفس التي هي صاحبة المؤهلات فإنك لكي تكون شيئاً يجب أن تكون أهلاً لذلك الشيء، ولن تكون أهلاً لشيء إلا اذا كنت متصفاً بالصفات المطلوبة لأهلية ذلك الشيء.
فمن أراد أن يكون ملتزماً حقاً لابد وأن يكون له من الصفات ماتؤهله لحمل هذه الأمانة ورسالتها.
ومن أراد أن يكون عزيزاً فإنه لاينال العزة إلا بمؤهلاتها التي تجعله صالحاً لأن يكون عزيزاً وكذلك قل في الحرية والكرامة والإنسانية والحياة الطيبة.
حينها يعيش الإنسان ونور يشع في وجدانه وحيوية تملأ كل ذرة من ذرات الجسد، وشعور عامر بجمال الحياة والأحياء وكل شيء من حول الإنسان.
لذلك كان السعداء نفوساً وهو مانلاحظه من أمثال من ذكرناهن في هذا المقام مصدر عزاء وسلوان للناس ومصدر فيض من الآمال وأصل كل فضيلة وكل حياة كريمة وهم بحور الكمال والجمال والنعيم الفياض على البشر.
ولماذا نستغرب ذلك من هؤلاء وقد كان سيرهم على مستوى من السمو والرقي والطهر والنقاء يتفق مع سمو الغاية منهج سار عليه الربانيون من أجل الوصول بالإنسان إلى قمة النشوة بمتعة القلب والروح وراحة النفس.
ونحن لكي نقوم بأعظم عمل يجب أن نبنيه على أسمى وأعظم تشريع ولكي نصل إلى أشرف غاية يجب أن نصل إليها بأشرف وسيلة ولكي نقدم للمجتمع أسمى القيم يجب أن نؤسس هذه القيم على أسمى المبادئ.
وإذا أردنا أن نصوغ الإنسان أفضل صياغة فلابد من أن نضعه على أفضل منهج وأقومه.
ونحن بدورنا نقول هذا الكلام لمن فهم ثقافة التمسك بالقيم والمبادئ فهماً خاطئاً أقول ذلك لأنه اذا اختل ميزان الشريعة بيننا واصبح ميزان التجني أوثقا وصارت موازين القول فينا حديثاً هلامياً وقولاً منمقاً اذا استحكمت أهواؤنا بطباعنا وجمعنا حظ النفوس وفرقا وأصبحت المظاهر قيداً يعوقنا وأصبح باب الشرع في الناس مغلقا فليس غريباً أن تتيه ركابنا وأن يصبح الفعل الجميل مغلفا وليس عريباً أن يسير بنا الهوى مساراً يرينا أفسح الدرب اضيقا
وعوداً على بدء تبقى الحياة مليئة بالمواقف التي تنقش ذكرها في ذاكرة الزمن قد يطويها بعد ذلك التاريخ لكنها حادثة تبقى مستحضرة متى ماذكرنا بها خيطاً من خيوطها أو وميضاً من ومضانها أو نوراً من قبساتها أو نفحة من نفحاتها تهب علينا رياحها بنسيمها العليل وهوائها الجميل تحمل إلينا اما رسائل الحب والوفاء متى ما كان سيرنا على دربها أو تبعث إلينا رسائل العتاب والتوبيخ متى ماتنكبنا طريق القيم والأخلاق والمبادئ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.