قبل عام تماماً كنت على موعدٍ مع دار الأيتام.. هنا في صنعاء، هناك رأيت اليتم شبحاً مخيفاً في عيون الصغار التائهة؛ في أجسادهم الهزيلة، في ملابسهم الرثة وأحذيتهم الممزقة. وظلت ملامحهم تستثير في حناياي حزناً عميقاً وإحساساً بالذنب، لا أعرف له مبرراً.. هذا العام قمت بزيارة إلى مؤسسة الرحمة للأيتام التابعة للإنسانة الرائعة رقية الحجري «أم الأيتام» وهي بالفعل تستحق هذا اللقب وبجدارة «أم حقيقية».. الأيتام المنضوون تحت سقف مؤسستها ترى عليهم آثار النعمة وكفالة الكافلين وتبرعات المحسنين ظاهرة في هيئة هؤلاء الأيتام، في أجسامهم الغضة وملابسهم النظيفة وغرفهم المرتبة، حتى في تعليمهم.. والمدارس التي يلتحقون بها في مؤسسة الرحمة تردم هوة اليتم وتلملم جراحه. أكثر من ثلاث ساعات قضيتها في مؤسسة الرحمة.. مرّت كأنها دقائق ولكنها بالمقابل نكأت في داخلي وجعاً ظننت أنني تخلصت منه، أما أيتام الدار الحكومية فأتذكر اليتيم الذي دخل على مدير الدار الحكومية في ذلك اليوم يحمل روشتة كتبها الطبيب وتحتاج إلى توقيع مدير الدار، كان يوماً ممطراً، وفي وجهه أثر حمى مارفقت بيتمه تماماً. تلك الدار منحت أيتامها سقفاً يحميهم من أشعة الشمس ومنحوها وسام وجودهم داخلها.. ترُى هل هناك كفالات وأيادٍ بيضاء تمتد لأولئك الأيتام ؟ إن كان لا .. فلماذا لا تمتد إليهم وتساعدهم على العيش الكريم، وتخفف عنهم وطأة فقدانهم الأحضان الدافئة؟! وإن كان نعم .. فأين تذهب كفالات الكافلين وتبرعات المحسنين ولا يرى في وجوه أولئك غير الفقر والفاقة؟!. الأيتام أيها السادة شريحة أوجدها الثأر .. الفقر .. والجهل أيضاً، هم صغار رمتهم الأقدار بأوجاع أكبر من طاقتهم وجروح لا تتحملها قلوبهم الصغيرة وأجسادهم الهزيلة فلمن يُتركون ؟! تخيلوا، هناك مسؤولون وتجار ومديرون وأصحاب مراكز ونفوذ يبدلون أثاث منازلهم حسب الفصول الأربعة .. وكله من مال الدولة، ويبقى اليتم في الأخلاق وفي الذمات عاراً وقبحاً من العصور الغابرات.