فتحت الثورة التقنية فضاءات رحبة للمعرفة مازالت البشرية عاجزة عن مقاومة إغراءاتها، ولحسن حظنا في اليمن أن انطلاق الانترنت تزامن مع فترة الانفتاح فلم نتخلف عن ركبه كثيراً، غير أن تدفقنا الفوضوي على واجهاته واصل فوضويته حتى بعد مرور ما يقارب الثماني سنوات من التعايش مع الشبكة العنكبوتية. لم يلتفت معظم المعنيين، أو المتعاملين مع عالم النت بأنه الأسرع تطوراً وتنامياً وتجدداً من كل المجالات التي نعرفها أو لا نعرفها، بل إنه يتفوق على أسرعها بعشرات المرات.. ومع هذا ظل التفكير بمحاولة تنظيم أنفسنا داخل هذا العالم المترامي الأطراف يتخذ مساراً تقليدياً متخلفاً لا يضع للعامل الزمني أي قيمة أو اعتبار، كما لو أننا مصرّون على الوقوف في آخر الطابور.. حتى اليوم تجهل الغالبية العظمى الفرق بين شراء موقع الكتروني جاهز وبين تفعيل موقع الكتروني، لذلك تقوم بعض شركات التصميم بعمليات نصب واسعة تبيع من خلالها المواقع الجاهزة التي تقل قيمتها عن المائة دولار بآلاف الدولارات.. ولعل المفارقة الغريبة في هذا هي أن الغالبية العظمى من الضحايا هي مؤسسات حكومية ووزارات، الأمر الذي عرض أغلبها لعمليات اختراق، وتدمير لمحتوياتها، دون أن تدرك أنها كانت ضحية عمليات نصب وأن من حقها مقاضاة الشركات المصممة التي خدعتها بمواقع جاهزة يمكن الحصول عليها مجاناً. حتى اليوم، لا توجد لدينا أية تشريعات قانونية تنظم ملكية المواقع الالكترونية، أو عمل الصحافة الإلكترونية، أو أمور الرقابة والحجب.. ولو تعرض أحد المواطنين لعملية قرصنة إلكترونية لموقعه الخاص، أو بريده الالكتروني فإنه لن يجد في القانون اليمني ما يشفع له، بل هناك ما يهدر حقه، لأن هناك اشكالية في تحديد فيما إذا كان الموقع الالكتروني يعتبر مالاً «محرزاً» أم لا..؟ وكذلك فيما إذا كانت الوثيقة المستنسخة من موقع الكتروني تعتبر نسخة أصلية أم لا، حيث إن القانون النافذ يبيح حتى الطعن بالوثيقة المستنسخة وإبطالها. إن هناك مئات القضايا التي ينبغي الوقوف أمامها فيما يتعلق بالانترنت، لكن إلى حد الآن لم يفتح حتى النقاش بشأن أي واحدة منها، في نفس الوقت الذي تتسع مساحة مستخدمي الانترنت بشكل مذهل، وتزداد أعداد مكاتب تصميم المواقع، ومقاهي الانترنت، أي أننا نسير باتجاهين متعاكسين، رغم أن هناك الكثير من المشاكل التي بدأت تطرأ على حياتنا بسبب الانترنت. ولا شك، لم يعد بوسع أي جهة تجاهل هذا العالم الواسع، أو التراجع إلى الوراء، لأن التقنية باتت تجد علاجاً لكل شيء، بما في ذلك حجب المواقع التي أصبحت برامج كسر الحجب بمتناول الجميع.. وعليه ليس أمامنا غير التقدم للأمام والسعي الحثيث لتنظيم ما نقدر على تنظيمه للحد من الفوضى ولتعزيز ثقافة قانونية لدى الجميع تكبح جماح نزواتهم أو تماديهم على حقوق الغير. وإذا ما فكرنا بخطوة كهذه، فإن من المؤكد لن يكون الأمر خاصاً بجهة محددة بل سيتطلب شراكة من قبل جميع الأطراف المعنية.. سواء كانت رسمية أم أهلية.. وهو ما نرجوه أن يحدث قريباً.