مر عامان تقريباً منذ الإعلان عن إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.. وهو زمن قليل مقارنة بالإجراءات التي اتخذتها الهيئة في إطار عملها وما أنجزته من أفعال وأعمال أسهمت إلى حدٍ ما في إرساء مبدأ النزاهة والشفافية في المعاملات الاقتصادية والمالية والإدارية .. وتصويب التوجهات الرامية إلى الإصلاح كضرورة لا رجوع عنها.. إن إنشاء هذه الهيئة جاء كترجمة فعلية لبرنامج فخامة الأخ علي عبدالله صالح - رئيس الجمهورية - الذي أكد على التوجه الجاد والمسؤول صوب القضاء على مجمل الاختلالات والإشكالات التي تقف عقبة كأداء أمام إعلاء شأن النظام والقانون وبناء الدولة المدنية الحديثة .. وفي مقدمتها منع الفساد ومكافحته ودرء مخاطره وملاحقة مرتكبيه. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم وبعد مرور عامين من إنشاء الهيئة، ما الدور الذي اضطلعت به المؤسسات الإعلامية والصحافة الحزبية والأهلية في مواجهة الفساد وتجفيف منابعه وتقويض ركائزه والمساهمة مع جهود الهيئة في إنهاء بؤره على كافة المستويات؟ الدراسة المسحية التي أجراها مركز التأهيل وحماية الحريات الصحفية بصنعاء وشملت خمس عشرة صحيفة حكومية ومستقلة وحزبية ما بين يومية وأسبوعية كشفت أن مشكلة الفساد حظيت بتغطية إعلامية وصلت إلى أكثر من ثلاثة آلاف وثلائمائة لكلمة الفساد ومشتقاتها بمتوسط تسع كلمات للعدد الواحد وبمجموع «706» مواد صحفية لثمانية فنون صحفية في مقدمتها الخبر يليه الرأي .. بينما كانت الصحافة الاستقصائية شبه غائبة في تغطية الفساد. هذه النتيجة التي كشف عنها مركز التأهيل وحماية الحريات أوضحت أيضاً أن صحيفة «الوحدة» الرسمية حلت في المرتبة الأولى بين الصحف اليمنية في تغطيتها لقضايا الفساد. ومقابل ذلك أظهرت الدراسة أن هناك الكثير من المعوقات التي أثرت على الصحف اليمنية بمختلف انتماءاتها السياسية في تناول قضايا الفساد وأوصت بضرورة التغلب على المعوقات المهنية في تناول تلك القضايا. إجمالاً لم تجب الدراسة على السؤال المطروح والمهم والباحث عن دور الإعلام ووسائله في مكافحة الفساد ومدى استفادة الهيئة من الموضوعات المنشورة في الصحف والمواقع الإلكترونية. ورغم موضوع الدراسة البحثية المهم.. إلا أن النتيجة الإجمالية التي خرجت بها تظهر أن دور الصحافة اليمنية في مكافحة الفساد لم يكن عند المستوى المطلوب منها.. وربما يرجع ذلك إلى أسباب عدة منها ارتباط الصحافة بالانتماءات السياسية وبعديد معوقات تقف أمام تعزيز معركتها ضد الفساد كأخطر مهدد للإصلاحات والبناء المؤسسي. كما أن للهيئة دوراً في هذا الغياب؛ كونها تتحفظ على المعلومات المتعلقة بقضايا الفساد المنظورة لديها.. بسبب كما قال رئيس قطاع التفتيش بالهيئة قيود قانونية. الحقيقة التي أظهرتها أو عكستها الدراسة تؤكد أن المشاركة المجتمعية انطلاقاً من الدور الكبير الذي يقع على الصحافة لا تزال ضعيفة في مكافحة الفساد ومحاربة أشكاله وأنواعه المختلفة. والحقيقة الأخرى التي ينبغي الإشارة إليها في هذا المسار تؤكد ألا تراجع أمام معركة أردناها ضد الفساد والتلاعب والعبث بالمال العام ومقدرات الوطن ومكتسباته، وذلك بالتسلح برؤية لا تنطلق من التهويمات والمزايدات وإنما من الواقع وإدراك إحداثياته ومعطياته. الفساد هو سبب الكثير من الإشكالات التي تقف أمام مجمل التوجهات الرامية للبناء والإصلاح .. ولن يتم القضاء عليه مالم تتكاتف كل الجهود بما من شأنه شق الواقع الفاسد وتغييره وفتح كل الأبواب المغلقة .. وبناء وطن خال منه.