في ظل غياب القراءة وانعدام التربية عليها يصبح من السهل تنامي ثقافة التخريب، وازدياد معدل الفوضى الاجتماعية، ورواج الأفكار الهدامة، ودعوات التطرف والغلو، والتناحر والصراع القبلي والمناطقي والمذهبي، ويغدو التفكير الذاتي الأكثر إهمالاً عند الفرد والمجتمع والقمة والقاعدة.. «القراءة للجميع» مشروعنا الوطني الذي يجب أن يتوازى مع التجربة الديمقراطية وثقافة التعدد السياسي، والتنوع الثقافي. على أن نجند لذلك مؤسسات الدولة كلها دون استثناء، حتى يتحول الأمر - إن نجحنا في ذلك - إلى سلوك ممارس وثقافة مقبولة ومشجعة، جنباً إلى جنب مع ثقافة التسامح والتعاون وقبول واحترام حق الآخر في الوجود والاختلاف. وإصلاح اعوجاج الوعي الاجتماعي، ومعالجة نفور المجتمع بكل شرائحه من القراءة واقتناء الصحف والكتب، وتحريره كإنسان من دائرة التلقي الدائم ودفعه إلى دائرة القراءة والتفكير. إن التطرف والغلو ما انتشرا وتمكنا وتحولا إلى إرهاب وانتحار مجنون إلا بسبب غياب القراءة والفهم والتفكير، لأن تلك الأمراض لا تنمو في مجتمع يمتهن ويعشق أبناؤه القراءة والاطلاع، وما تمكن في مجتمعنا دعاة الفوضى إلا حين علموا أن القراءة بيننا وبينها خصام أبدي. المتطرف والمتشدد في فكره وسلوكه هو عبارة عن شخص اعتمد على الآخرين ليقرأوا ويفكروا ويقرروا بدلاً عنه، ولا يأخذ منهم إلا الأحكام والنتائج والأوامر الجاهزة للتنفيذ، لأنه عبارة عن بركة أو وعاء تسكنه المياه الراكدة والجراثيم والأوبئة الضارة وليس غير ذلك. ومن خلال «صحيفة الجمهورية الغراء» أدعو وزارات التربية والثقافة والإعلام والأوقاف والداخلية والوزارات ذات العلاقة إلى إطلاق مشروع "القراءة للجميع" واعتباره رهانهم المشترك لإخراج الإنسان اليمني من موقفه العدائي للقراءة والاطلاع، وهو في الواقع رهاننا الأكبر لبناء اليمن الديمقراطي الجديد. ما من حزب سياسي إلا وثلاثة أرباعه أميون، والربع المتبقي أغلبهم لا يقرأون إلا الصحيفة الصادرة عن حزبهم، أما الصحف الرسمية والأهلية والحزبية الأخرى فلا يقربونها أبداً. إنه يكتفي بانغلاقه على تلك الأفكار وذلك الخطاب التحريضي الناقم، مستمداً منه ثقافته وكراهيته للآخر المخالف له. القراءة في مجتمعنا سلعة لا سوق لها ولا مروجون ولا مستثمرون ولا محبون، لا يوجد من يدعو إلى تشجيع القراءة وتشويق الناس لها ودفعهم إلى ممارستها، لا على المستوى الاجتماعي ولا على المستوى الرسمي. مسؤولونا في مرافق الدولة وأجهزتها المختلفة لا يقرأون حتى الصحف الرسمية، والدليل على ذلك أن ما يرد فيها من شكاوى ونقد لا يأبهون له ولا يحركون له ساكناً. يقلّبون في الصباح الباكر صفحات بعض الصحف الأهلية ذات الطرح الجريء والملامس لهموم الناس، فيهتمون بما يتعلق بمؤسساتهم ويردّون على الشكاوى والنقد صاغرين متوددين. أما الصحف الرسمية فيرميها لفرّاش المكتب أو سائقه الخاص ليستفيد منها في سُفرة الطعام، وكفى الله مسؤولينا مؤنة القراءة والاطلاع، ومتابعة هموم المجتمع وأوجاعه. المسئولون في بلادنا لا يقرأون، وأراهن على ذلك، فكل واحد منهم؛ من مديري العموم مروراً بالوكلاء والمحافظين، وصولاً إلى حكومتنا الموقرة ورجال السلطة لديه من ينوب عنه في قراءة الصحف الرسمية ورفع تقرير عن عدم ورود مرفق بمدح أو نقد. أما الصحف الأهلية ذات النقد اللاذع فرضاها غاية لا تُدرك، وهي التي تُقرأ وتُتابع، ويرد عليها ويهتم الكل بمناشداتها - اللهم لا حسد!!. يا سبحان الله.. حتى القراءة في بلادنا تحتاج إلى العصا، ليس مع الصغار فقط، بل حتى أولي الأمر والنهي وقادة المرافق وأجهزة الدولة!!. مع العلم أن العصا قد ارتبطت على مدار التاريخ الإنساني بمهنة التأديب وتجارة العبيد.. أما القراءة فهي سلوك يكتسبه المرء من أسرته وبيئته. mogles66@ hotmail.com