كثرة النوافذ والأبواب في العمارة التقليدية اليمنية هي الوسيلة المُثلى لتأمين دوران الهواء وتنقية المنزل على مدار الساعة .. وتلعب الارتفاعات المميزة للسقوف والفتحات العلوية في سقف البناء إضافة أخرى في الارتقاء مع الهواء النظيف وفتح المجال واسعاً للضياء المنعش بدلاً من التقوقع في سراديب الظلام والهواء الصناعي . مما سبق .. ومن خلال تتبع بعض أبعاد العمارة التقليدية اليمنية يُمكننا أن نصل إلى قناعة راسخة بأن تلك المنازل لم تكن أوعية استيعاب تقليدي للمنافع والضرورات اليومية، بل كانت وما زالت تعبر عن حالة من التخاطر المعنوي والوجداني مع ساكنيها .. تختزل أحلامهم وثقافة التاريخ .. كما تتناغم مع ثقافة العمل الصادرة عن علاقة إيجابية مع البيئة والطبيعة مما يقتضي إعادة تدوير هذه الفكرة على قاعدة التأمل فيما نحن فيه الآن من كآبة وتمزقات ، من أسبابها بيوت «الفئران» التي تحاصرنا بالجدران الخرسانية، وبالحواجز الرافضة للكائنات الأخرى والضياء والهواء . لقد استعضنا عن التوازن بحياة صناعية أخذتنا بأسباب بهرجها فيما عصفت بأفئدتنا وجعلت قلوبنا عامرة بالخواء بدلاً من البهاء. تعكس عمارة القلوب فضاءاتها على نمط الحياة وإعادة إنتاج روحانياتها، ففي الغناء على سبيل المثال نرى أن ألوان الغناء اليماني تعبير مثالي عن فلسفة العمارة اليمنية التقليدية، أيضاً عن تنوع الأنساق المجتمعية والثقافية والحياتية في بلد كبير يتسع لأقاليم جغرافية متعددة، حتى إنك تجد البرد في قمم الجبال في عزّ الصيف، بينما تعانق الأنسام الطرية في عزّ الشتاء وأنت تتجول في ربوع الجبال والسهول والوديان والسواحل .