27 أبريل 1993م بشهادة كل فرقاء العمل السياسي في الوطن هو يوم مشهود وفارق بين زمنين، الحكم الشمولي والحكم الديمقراطي في بلادنا. فلقد جاء 27 أبريل بعهد جديد شارك في صنعه كل أبناء الوطن وقواه السياسية الحية من خلال المشاركة في أول انتخابات برلمانية حرة ومن أجل انتخاب برلمان واحد يجسد التعددية الحزبية ويعمق الممارسة الديمقراطية في التداول السلمي للسلطة عبر بوابة الانتخابات وصناديق الاقتراع. وحدد طريق ومسار (التربع) على كرسي الحكم عبر وسيلة واحدة هي الانتخابات وأداتها إرادة الناخبين الحرة وكسب أصواتهم في صناديق الاقتراع، وغير هذا أصبح الوصول إلى السلطة من سابع المستحيلات بعد أن أصبحت الجماهير اليمنية واعية ومستوعبة لذلك التغيير الذي أحدثه يوم 27 أبريل. هذا درس بليغ، لا نستطيع أن ننساه، وأن نمحيه من ذاكرة شعبنا بهذه السهولة؟ خاصة أنه كان محطة انبثاق توافقي بين منظومة العمل السياسي والقوى الوطنية الخيرّة التي انحازت إلى جانب الخيار الديمقراطي، وأسست بتنافسها وانتظامها في خوض أول انتخابات تشريعية حرة وتنافسية لتجربة رائدة تُحترم ويُفتخر بها. فالأيام العظيمة والخالدة وبينها اليوم الاستثنائي 27 أبريل لا يمكن لها أن تأفل من عقول ووجدان الناس لما تحتله من مكانة وحضور في نفوسهم ولما اتسمت به من مهابة في حياتهم الديمقراطية وفي مساراتها المتجذرة وبصنعها وتدشينها عهداً جديداً مختلفاً في الوطن هو عهد الديمقراطية الذي هو خيار الشعب الذي لا يمكن الحياد عنه قيد أنملة. فكيف لنا الاستفادة من دروس هذا اليوم الرائع الذي رفع رؤوس اليمنيين وأدخلهم التاريخ من أوسع أبوابه، وأن نجسّد ونتمسك بما جاء به من قيم وتقاليد راسخة وممارسة واعية للحقوق الدستورية والتعبير عن تطلعات وقناعات شعبنا الثابتة. إن ما يجري اليوم من نسف وتشويه لما جاء به منجز 27 أبريل هو ضرب من ضروب من العبث والاستهتار، التي لا يقرها عاقل أو متزن، فالنكوص عن الممارسة الديمقراطية وحق التعبير الذي كفله الدستور هو مساس بثوابت الأمة وبتلك التضحيات الجسام التي قدمها شعبنا في تاريخه النضالي من أجل الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة من تجربته الفتية. ولا شك أن محاولات الخروج عن الممارسات الديمقراطية والتعارض مع ما يمنحه القانون والدستور من حقوق وارتكاب الحماقات والتصرفات الطائشة المنافية والخارجة عن النظام والقانون والدستور ستظل بائسة ومهزومة أمام إرادة الشعب وقدرته على حماية مكتسباته والانتصار لها، فهذا الشعب الأبي الذي انقض في ال26 من سبتمبر 1962م على حكم الكهنوت الإمامي المتخلف، وثار في 14 من أكتوبر 1963م على الاستعمار الأجنبي وأعوانه من العملاء والخونة، وقدم التضحيات الجسام من أجل أن ينال حريته واستقلاله ووحدته لن يرضى مطلقاً أن يُعاد به إلى عهود الانحطاط والمظالم والقهر، فيكفي ما عاناه من ويلات ومآسٍ ومحن.. أفما آن لهذا الشعب العظيم أن يعيش في هدوء وسكينة وطمأنينة؟!. إن ما شهدته عدد من المدن اليمنية يوم 27 أبريل الماضي من أعمال عنف وتخريب وشغب وفوضى وإثارة للنعرات المناطقية والبغضاء والحقد بين أبناء الوطن الواحد أعمال مرفوضة ومستهجنة ومسيئة للعمل الديمقراطي في الوطن ومضرة بسلمه الاجتماعي ونسيجه الوطني ولا تعبر إلا عن نفوس مريضة غلبها الحقد والتآمر على الوطن والشعب، فتلك الأفعال والأعمال المشينة والدخيلة على مجتمعنا لا يقرها شرع ولا قانون، فالنضال السلمي وحق التعبير حقوق مصانة بالدستور والقانون وتحكمهما وتقيدهما ضوابط، وليست الفوضى وزرع بذور الفتنة والكراهية والحقد وإشعال الحرائق والاعتداء على المواطنين والممتلكات العامة والخاصة. هذه الثقافة المدمرة ينبغي التصدي لها ومواجهتها وخاصة لدى النشء الجديد الذي هو بحاجة إلى المزيد من العناية والرعاية والاهتمام وتحريره من قيود المغالطات والأوهام. إن كل القوى السياسية في الوطن يجب أن تكون في مستوى المسئولية التاريخية، وعليها أن تكون أمينة ووفية للشعب والوطن وتجربته الديمقراطية الرائدة من خلال إحياء ثقافة 27 أبريل الذي يُعد علامة مضيئة ومشرقة في تاريخنا الحديث. ويتوجب على هذه القوى الحية أن تسهم في خلق حالة اصطفاف وطني واسع للانتصار لإرادة الأمة ومواجهة مشاريع التفتيت والفرقة، وأن تعمل بكل جدية وإخلاص من أجل تثبيت وتعميق الممارسة الديمقراطية وإيجاد حوار وطني مسئول لمناقشة مجمل قضايا الوطن أجمع. [email protected]