فيما لو تلبّس صُنّاع القلاقل وأرباب الفوضى هموم الوطن - كل الوطن - وجاهروا بما يحدث من اختلالات ومخالفات تضع العراقيل أمام هذا الشعب الطامح إلى حياة عصرية مستقرة، ثم ذهبوا يتحدثون عن مطالب عادلة ويطرقون لها أبواب القنوات الرسمية، في الحين الذي لايزال الواحد منهم وطنياً جسوراً ويحترم دولة النظام والقانون ويؤسس بأخلاقه ونبل أهدافه للمفاهيم الصحيحة والمستقبل المشرق لأبناء وطنه جميعهم، فيما لو حدث ذلك فإنهم سيكونون أصحاب القضية الحق ويلزمون الجميع سماع قولهم، لأنهم يعيشون الحاضر المنفتح ولم يعودوا من مواطني ذلك الزمن التشطيري المنغلق الذي ابتدأ بمكافأة الشاب المتحمس محمد محمود الزبيري - أبي الأحرار- بإيقافه خلف القضبان وبيده ملف الإصلاح والتطوير، وانتهى بمسلسل من التصفيات الجسدية التي دفع إخواننا في الضالع ولحج وأبين ثمنها غالياً. لكن كيف مع من يسلك طريقاً وعراً وهو يقول للناس: هناك حراك جنوبي، وهناك مطالبة بحق تحديد المصير، وهناك حملات متواصلة منذ سنتين جندناها انتصاراً لما نريد، وإذ به يرمي الوحدة الوطنية بكل نقيصة، ولا يتورّع في أن يختلق ما يحسبه - في نظره وحده - مدعاة لإحداث تغيير جذري في هوية الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه.. إن من يفعل هذا إنما يمارس فعل الخيانة، فهو الخائن الحاقد، المتآمر الذي ستظل لعنة العقوق تطارده إلى أن يقع في يدها؛ وهكذا هي نهاية العملاء. إنهم يستمرئون خلق الاحتقانات المتواصلة التي لم تكن يوماً شيئاً يخيف الشعب - حامي الوحدة - على وحدته، ولذلك فقد كان الوطن يتعامل مع مثل هذه المظاهر تعاملاً عقلانياً ينطلق من أمرين، أولهما: توجيه الجهود نحو معالجة الاختلالات مثل تسوية أوضاع المتقاعدين والبدء في وضع الحلول التي تكفل إعادة الحقوق لأصحابها في مشكلة الأراضي والممتلكات العامة والخاصة، وثانيهما: ترك هذه الأصوات النشاز وضجيجها اليومي لقرار شعبي وموقف ختامي يضع حداً لهذا التمادي، وستكون النتيجة أن هذه العناصر إن لم تحترق بنار العدالة والقانون وصحوة الشعب سوف تحترق بنارها، حين تجد أن مشروعها التآمري لم يتجاوز حدود القروية، ولم يرتق درجة إلى أن يكون ثقافة يتمسك بها الناس حتى وإن عزفت على مختلف الأوتار. ولأنهم ليس لهم مطالب تخدم الوطن، فإن أنفتهم وحماقاتهم ترفض لهم حجب الخلفية التمزيقية لرقعة الوطن، وهو ما كشف عوراتهم للناس، فهم يتمترسون دوماً تحت ما يسمى حراكاً أو قضية، ولا يأتي على بالهم أن يكون الشعب اليمني كله تحت سقف واحد، فهل الفقر وسوء الأحوال المعيشية يحدثان في مكان دون آخر من هذا الوطن، وهل تعز وإب والحديدة وذمار وصنعاء وغيرها «ترفل في الدمقس وفي الحرير» - كما قال الشاعر. إذن الهموم واحدة، والاختلالات الحاصلة لا ينكرها أحد، وقضايا الفساد والرشوة وقصور أداء بعض الأجهزة التنفيذية والخدمية قضية يعيشها الجميع، والمحافظات جميعها تسعى إلى إيجاد مخارج وحلول ومعالجات ناجعة لها. وختام القول: إن ما يحدث اليوم قد كشف صلعة المتآمرين ممن يسيرون خلف هذه القضايا وغيرها متخذين إياها درعاً للإنكار على شرعية الوحدة واتهامها بجملة من التهم التي تحاول إلصاق الأزمات بها وإثبات عدم صلاحيتها لصناعة مستقبل هذا الشعب. وهكذا فإن الشعب اليمني اليوم يعرف أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن هذه العصابات أجندة معينة يتحتم عليهم دسها في المضمار السياسي والاجتماعي، وبالتالي رمي كرة اللهب في الساحة الوطنية لتبقى مشتعلة حتى إشعار آخر. لكن لن يكون لهم ذلك طالما أن الشعب يرى في الوحدة شريان حياته وإكسير تقدمه وتطوره.