وجدت بعض الصحف في زوابع الشتاء الحالي فرصتها الموسمية في استثمار الأدخنة الاعتراضية لتأجيج النار وإشعال الفتنة النائمة، عبر خطاب جاهلي يعمل على تكريس المفردات التشطيرية ويصنع من الحساسيات الصغيرة والتافهة مانشتات عريضة ورهجاً إعلامياً يفتقر إلى أدنى معايير الوطنية والمسؤولية. تنامى - في الآونة الأخيرة - الحديث عن شمال وجنوب دونما إدراك واعٍ لقواعد اللعبة السياسية ومنهجيات الاعلام المسؤول والعادل، وفي أغلب تناولات الصحف الحزبية وكذلك الأهلية تتم قراءة الأحداث العارضة بعين العاطفة أو التعاطف، بعيداً عن الروح الوطنية التي يتم تغييبها قسراً في هكذا خطاب إعلامي يجدِّف عكس تيار الوحدة ولايضع للوطن أي اعتبار وقيمة. والحقيقة أن لكل مواطن يمني مطالبه التي لاتقل أهمية عن مطالب الأصوات التي ارتفع أوارها من «الجنوب» ومازال يرتفع من أفواه المتقاعدين العسكريين «حتى الذين تم تسوية أوضاعهم» والشباب العاطلين وغيرهم وكأنَّ أبناء هذا الوطن الذين يقعون في جغرافيته الشمالية يعيشون رفاهية قصوى وليس لهم أية مطالب أو حقوق مشروعة أو كأن هذه المطالب والحقوق تحققت بالكلية في المحافظات الشمالية من اليمن ووحدها المحافظات الجنوبية من يعاني أو لم يتحقق لها من هذا شيء. تكريس الخطاب التشطيري يبدو حثيثاً وواضحاً من خلال إفراد الجنوب كقضية سياسية مستقلة بحد ذاتها وليس كمطالب اجتماعية حقوقية داخل دائرة المشروع لجميع اليمنيين دون تفرقة أو تنافر اجتماعي إزاء التعاطي مع مثل هذه المواضيع والحالات. حتى الآن لم يتحدث أبناء المحافظات الشمالية عن «الوحدة» كما يتحدث عنها إخواننا في الجنوب الجغرافي ولا أقول «الجنوبيين» فهذا المصطلح التمييزي مرفوض بتاتاً على ساحة الواقع الواحد لبلد واحد من يوم كانت اليمن على وجه البسيطة.. أقول لم يحدث أن يتحدث أحد من أبناء المحافظات غير الجنوبية عن «الوحدة» كنقطة انتقالية غيرت خارطة المشاريع الحكومية وعين التوجهات الرسمية إلى هذا الجزء الغالي من الجنوب وذلك ماجاء طبعاً على حساب الجزء الآخر الذي لم يحظ من المشاريع النهضوية والخدمية والاستثمارية إلاَّ بالفتات بينما انسكبت ميزانية الدولة على مدار سنوات الوحدة المتماسكة باتجاه جنوب الجسد لتعيش تلك المحافظات نهضة غير مسبوقة ولايمكن إنكارها فإذا عدن والمكلا وغيرها من عواصم المحافظات المحيطة خلق آخر ووجه نافح بالحياة والنبض بعد أن كان كل شيء فيها إلى موات. ولو تم التخاطب بذات اللغة لقال أبناء المحافظات اليمنية الشمالية وصدقوا في أن ماذهب إلى جنوب الوطن من اهتمام ورعاية كان بإمكانه أن يصنع شيئاًَ هنا أو يحدث على الأقل تغييراً ملموساً في جوانب التنمية ومناحي الاقتصاد. الوحدة أكبر.. أكبر من كل الحساسيات المفرطة والتفاهات القصيرة وفي سبيلها الجميع يدفع الضريبة.. أبناء الوطن عموماً في الشمال والجنوب «أكرر، لا أقول الشماليين ولا أقول الجنوبيين» فالتوصيف الجغرافي للخارطة لايعني البتة انشطاراً اجتماعياً».. يمن واحد وشعب واحد.. ألمنا واحد، وهمنا واحد، وحلمنا واحد. فلماذا إذاً تذكون خطاباتكم بما يجرح أحد بطيني القلب الذي ينبض في هذا الجسد الواحد الذي لن يموت.