في الوقت الذي يتوجه فيه الغرب إلى التوحد والالتئام كون ذلك الأساس في عنصر القوة والتكامل والمنعة في عصر لم يعد فيه مكان للقروية وإمارات الطوائف ومشيخات القبائل، نجد المجتمع العربي يفقد ذاكرته ويجلد ذاته بعنف وقسوة ويمزق بلا وعي أو إدراك عقله ولسانه وضميره وأمته وأرضه.. العروبة والدين لم يشفعا لليمن الأرض والإنسان، التاريخ والحضارة من دعاة الفرقة والشتات وزبانية المآسي والصراعات الدموية وأمراء الفتنة والخراب، فقد ذهب هؤلاء وأولئك إلى الكيد والتآمر ودفع الشر عبر الذمم الرخيصة لتمارس الهدم والإحراق، والعودة باليمن إلى زمن الاخوة الأعداء والمعارك الطاحنة، إنها الصورة السوداوية القاتمة للانسان العربي حين يصيبه الجنون الحضاري، والفقر الاخلاقي، ويتلاشى الحياء والضمير منه. إن كان أولئك عرباً فللعروبة حق في دم وضمير وأخلاق كل حر أبي يحترم انتماءه ويحافظ على هويته ويغار مثل كل الشرفاء على أرضه وعرضه، وان كان أولئك الداعون والداعمون للشتات والفرقة والصراعات الدموية داخل المجتمع اليمني المسلم، ان كانوا مسلمين فللإسلام قيم واخلاق ودعوة دائمة وابدية للسلام والاعتصام والتعايش الآمن، ونبذ الكراهية وثقافة العداوة والبغضاء بين الناس لأن الدين الإسلامي عقيدة وشريعة لا أهمية له ولا وجود إلا في ظل مجتمع متماسك وأمة تلتزم الاعتصام والوحدة قدراً ومصيراً. أما إن كان دعاة الفرقة من منظري الفكر الأممي والمذهب الإشتراكي فهو برهان على أن الفترة الماضية كلها لم يكن لنا من الاشتراكية والأممية غير العنف والصراعات وتلك كارثة حين ينقلب القومي والإسلامي والاشتراكي على ما يحمل من أفكار ويلتزم من قيم واخلاق. بقدر ما يجعل الوحدة الوطنية فريضة دينية تمثل لب الدعوة وقوة العقيدة وواقع الشريعة فهي لأحوالنا هذه وظروفنا المتصدية ضرورة إنسانية وحتمية اخلاقية، حتى لا يتوزع الوطن الأفكار القروية والقبلية، ويتحول شبابنا إلى عصابات لصوص وقطاع للطرق ووقود للقرصنة البرية والبحرية. إن الفساد المالي والإداري المستشري في مفاصل مؤسسات ومرافق الدولة ووعي وسلوك المجتمع يمثل أحد أكبر الأسباب التي فرضت للظروف التي تمر بها اليمن، ولو وجدت الرؤية الواضحة والمصداقية الكبيرة والتعاون الوثيق بين السلطة والمعارضة والمجتمع لمحاربة ذلك العدو اللدود لليمن الأرض والإنسان لنظفنا مؤسساتنا ومرافقنا ومدارسنا منه بسهولة ويسر وزمن قصير. ولو قام كل منا بواجبه وعمل بإخلاص وتفان وصحوة ضمير وبرهنا على حبنا لليمن بالفعل والعمل وليس بالأقوال والشعارات لما آلت الأمور في كل حياتنا وانظمتنا إلى هذا المستوى المؤسف. انتشار ثقافة اليأس والقنوط بين أبناء المجتمع اليمني لا يخدم أحداً بل يزيد الأمر ضعفاً وتعقيداً، تخلينا جميعاً عن واجباتنا الاخلاقية والدينية ودورنا الوطني في المنزل والمدرسة والمسجد والوظيفة والشارع ومن ثم جلسنا نتباكى ونشكو الضعف والفساد والعبث واللامبالاة في لغة يائسة وصورة من صور العجز المحزنة. ولو نظر أولئك القانطون واليائسون إلى المدرجات الزراعية فقط لأيقنوا ان الرفاهية والكرامة والعزة والتمكين لا تأتي إلا بالعمل والمبادرة والمغالبة والمنافسة والابتعاد عن زحمة الكلام وطواحين النقد الهادم ومروجي لغة اليأس وثقافة القنوط والعجز. العبث والعثرات والمفاسد والفساد أمور وأحداث وسلوكيات صنعناها نحن اليمنيون بأيدينا، واستفحالها كان وراء تعاضم ثقافة الكراهية وتعالي دعوات النقمة؛ لأن السلطة والمعارضة والمجتمع والعلماء والمثقفين لم يدفعوا بالناس إلى العمل والإبداع والاختراع والصناعة والزراعة وتربية الدواجن والمواشي وتطوير المصنوعات الحرفية والمشغولات اليدوية، بل دفعوا بهم إلى مقايل الجدل السياسي العقيم وإجادة ثقافة الأضواء والاستقطاب الحزبي، والمراهنة على إفساد الحياة والوظيفة العامة ونهب وتخريب المؤسسات والمرافق الوطنية، سباق محموم من كل الأطراف والأحزاب، معتقدين بأن ما يقومون به من هدر وتخريب وإفساد غاية العمل الديمقراطي ومحاسن التعددية، وتلك هي كارثة الوعي الديمقراطي في المجتمع اليمني، علينا تداركه وتصحيح أخطائه قبل فوات الأوان وتحول اليأس وثقافة القنوط والكراهية إلى مرض يفتك باليمن ووحدته.