شر الديمقراطية ما يبكي» وأنت تسمع بكل جوارحك وعواطفك وعقلك وضميرك إقرار قياديي الأحزاب اليمنية أنهم لم يفهموا بعد كيف يمارسون العمل الحزبي، ولم يستطيعوا حتى اللحظة أن يعقلوا ويفهموا حدودها وموانعها، وأين تبدأ وأين تنتهي.. مازال الجميع يجهل متى يصبح حزبياً متشدداً ومنطوياً لحزبه وبرامجه وحقه الشخصي والحزبي فيه، ومتى يتخلى كل منا عن انتمائه المحدود للحزب ليمارس وبقناعة وعقيدة راسخة انتماءه المطلق وحبّه وتفانيه وإخلاصه لوطنه الأرض والإنسان. ويحرص بكل قوة وأمانة على تماسك ووحدة مجتمعه ونظافة واستمرار مؤسسته التي يعمل بها ويخدم الوطن والشعب من خلالها، بمهنية والتزام أخلاقي ووازع ديني وضميري. لا يهمه من يحكم اليوم ومن سيحكم غداً طالما بقي الأمن والاستقرار والتنمية المتسارعة والعدل والمساواة، فالتغيير السلمي نتيجة حتمية للأوضاع والأحوال والظروف والأشخاص. لغتنا الحزبية التي تدير الصراع اللا أخلاقي في الساحة السياسية تتخذ من الخطاب العدائي الأسود والناقم وسيلتها للإضرار بالحزب الحاكم. لكنها للأسف قد أحدثت بذلك الخطاب المتأزم واللا أخلاقي دماراً هائلاً في مشاعر المواطنين وحبهم واحترامهم لوطنهم. وبمعنى أوسع أفقدهم ذلك الخطاب ثقتهم بالوطن، وزرع فيهم اليأس والقنوط من أي إصلاح أو تغيير حتى ولو كانت المعارضة نفسها صاحبة المشروع التغييري والحكومة المنفذة له. لأن خطابهم العدائي الناقم على السلطة قد أفقد المواطنين ثقتهم بالوطن وليس بالأشخاص فقط، وتلك هي الطامة التي ستدمر الجميع إن لم تنتبه السلطة والمعارضة وتستدرك الأمر وتعالج الأخطاء. قاموسنا السياسي بحاجة إلى إعادة نظر من الجميع؛ لأنه قد تحول وبتوافق الجميع إلى أحزمة ناسفة وعبارات حارقة وكراهية وحقد مركب لا مثيل له ولا ند في القواميس السياسية للديمقراطيات القديمة أو الناشئة. فهو يفتقد إلى الموضوعية والعقلانية واحترام الآخر المختلف معه، ولا يعزز وجود البيئة الاجتماعية الصالحة للعمل المشترك، الأمر الذي حول مقرات الأحزاب كلها ودون استثناء إلى طواحين للحقد وكراهية الآخر، طالما بقيت المصالح الشخصية والحزبية هي التي تحكم العلاقات والحوارات السياسية في الساحة. مشاعر النقمة واليأس التي أخذت تسيطر على قطاع من أبناء المجتمع اليمني وأفقدتهم ثقتهم بالأحزاب منها ذلك الخطاب العدائي واللا أخلاقي الذي تقوده بعض الصحف الأهلية والحزبية ووكلاء الشتات والصراعات في الداخل والخارج، وساعدهم أكثر الصمت، لماذا؟! لا ندري!. الديمقراطية خيارنا الوحيد، والمحافظة على وطننا سالماً آمناً مستقراً موحداً متماسكاً رهاننا الأكبر في الظروف الراهنة. ولا يجدر بأحزابنا كلها أن تنقلب على هذا الواجب المقدس، وتذهب لتتعاطى من حيث تعلم أو لا تعلم مع مشاريع الشتات والصراع وتدمير الذات اليمنية بحجة النقمة على الحزب الحاكم، فإن ذلك هو الانتحار اللا أخلاقي بعينه. لابد أن تحكم خطابنا السياسي القيم الأخلاقية قبل الدينية التي أسأنا إليها وتنكرنا لها باسم المصالح الحزبية الضيقة والذاتية المفرطة التي وصلت حد التناسي للقيم والثوابت الاجتماعية والوطنية. تفنيد الأخطاء التي ترتكب ونقدها، وتقديم البدائل لن يكون عبر الخطاب العدائي الناقم على كل شيء، وإنما بتقديم القدوة الرائعة والعظيمة في الوطنية والانتماء الوطني، وعدم الارتهان للمشاريع سيئة السمعة التي قادت الصومال والعراق إلى الدمار، ولنا في ذلك عبر لمن لا يعتبر. سلوك المواطن البسيط ووعيه وتفكيره أمانة عظيمة على الأحزاب جميعاً احترامها والمحافظة عليها نقية طاهرة، ولا يجدر بهم تحويله إلى وقود رخيصة لمشاريعهم ومصالحهم الحزبية الآنية التي تتغير وفق الظروف والمتغيرات والأحداث.