يطل علينا يوم غدٍ عيد الأضحى المبارك بربانيته وتباشيره ونسائمه وعبقه وأصوات الملبين في عرفات ومزدلفة، مقرين جميعاً بأن الحمد والنعمة والملك والتدبير والتغيير لله وحده لا شريك له، لحظات مزجت بالنور والمحبة والألفة والتعارف والتسامح، لا مكان فيها للحقد والكراهية والبغضاء، دروس عملية للتطهر الضميري والأخلاقي من مفاسد الحياة ونقائصها.. المسلمون في كل بقاع الأرض في هذا اليوم المشهود يجسدون حياة وثقافة وفضيلة التسامح والصفاء، يعيدون لها مضامينها وبريقها الذي انسلخ منها خلال الأيام السابقة، مثلما يعيدون نسيجها الاجتماعي، تذوب الأحقاد، تردم الفواصل، يصل كل ما انقطع من رحمه وأهله وأصدقائه، يتناسى الجميع الأوجاع والجراحات وكأن شيئاً لم يكن. التسامح فضيلة إنسانية راقية وعظيمة، لا يظفر بها أو يمارسها إلا ذو الحظ العظيم والأخلاق العالية، حثنا ديننا ونبينا عليها، وطالبنا بأن نجعلها ثقافة يومية بيننا، نقهر بها كوامن الشر، وداعي الفرقة والشتات، ونرمم بروحانيتها جوانحنا وأخلاقنا وعلاقاتنا. لنرفع أكفنا باتجاه السماء طالبين من المولى عز وجل أن يجعل عيدنا هذا نهر محبة ووئام وألفة وتسامح، وأن يعمّر قلوبنا وضمائرنا بحب وطننا وبني قومنا، وأن يجنب بلدنا كل مكروه. مجتمعنا اليمني في أمسّ الحاجة إلى تحصينه من ثقافة ورذيلة الحقد والكراهية والفرقة والشتات، ودعاة الخراب والدمار، حتى لا تصيبه العاهات القاتلة، ويأتي اليوم الذي لا يقوى فيه على مدافعتها والتخلص منها. ما من دعوة كريهة ومريضة يقودها بعض من أبناء جلدتنا ممن غلّبوا حقدهم وكراهيتهم ومصالحهم الشخصية والحزبية على أمن وسلامة واستقرار الوطن وتنميته إلا ولها من التخريب نصيب، ومن إعاقة الحياة الاجتماعية نصيب أكبر، ولو أنهم فطنوا لما يقومون به من عبث وتخريب وسوداوية تجاه اليمن كله لعادوا إلى رشدهم، وأيقنوا أن الحياة الحقيقية عقيدة وجهاد وتسامح وتنمية ومحبة. الإسلام دين الاعتصام والألفة والرحمة والتسامح، ولا يمكن لمسلم عاقل يعلم دينه وربه ونبيه؛ يقف عند شريعته وقيمه أن يعطل فضيلة التسامح ويشيع ثقافة الحقد والتخريب بين الناس لمجرد اختلافه مع الحاكم أو حقده عليه، يرفع شعار النقمة والشتات والفرقة الاجتماعية لمجرد بروز بعض الصعوبات والعراقيل أمام مصالحه، إنها العودة إلى الجاهلية الأولى. إن الإسلام كل لا يتجزأ، دين لا ينتقص الحياة ولا يدعو بأي حال من الأحوال إلى تخريبها وتدميرها، إنه يقدس الحياة الاجتماعية ويحافظ على قوتها وتماسكها. هاهو العيد يجمعنا في مائدة التسامح والتصافح لنتحاور بحب، ونرتقي مواطن التمزق النفسي والاجتماعي، حتى لا تفوتنا اللحظة ونجد أحوالنا تستعصي علينا. إنه عيد الصفاء الروحي والنقاء النفسي والقرب وسد الثغرات وإعادة النظر في الكثير مما علينا القيام به تجاه حاضر ومستقبل الوطن كله. باقات من الحب أزفها إلى كل بيت يمني عامر بالحب والتسامح وإلى القيادة السياسية وكل الشرفاء في وطني الحبيب. عيدكم مبارك وكل لحظة وأنتم واليمن بخير واعتصام ومحبة وتسامح.