مثل قيام المجالس المحلية عام 2002م نقطة تحول تاريخية هامة في مسار العمل السياسي والديمقراطي ومثلت كذلك انجازاً تاريخياً هاماً للشعب اليمني لايقل عظمة عن منجز إعادة وحدة الوطن في 22 مايو 1990م فإذا كانت أهداف الثورة اليمنية قد نصت في الهدف الخامس من أهدافها الستة على: «العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة» فقد أكد الهدف الرابع على «انشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف وقد أقترن قيام الجمهورية اليمنية بالنهج الديمقراطي كخيار وطني يتمكن الشعب من خلاله تحقيق مبدأ حكم نفسه بنفسه من خلال اختيار ممثليه في السلطة التشريعية «مجلس النواب» والمجالس المحلية عبر الانتخابات الديمقراطية وبالاقتراع السري الحر والمباشر. لم يكن قيام المجالس المحلية عام 2002م بالأمر السهل أو الشيء العادي كما قد يتصور البعض فعلى الرغم من اجراء دورتين انتخابيتين لمجلس النواب «93 1997م» وكذا إجراء أول انتخابات رئاسية عام 1999م إلا أن فكرة قيام المجالس المحلية كانت تلقى معارضة كبيرة حتى من قبل أولئك الذين كانوا متحمسين لها ويطالبون بها بعد إعادة الوحدة مباشرة ولكن بفضل إرادة وتصميم فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية تم اجراء أول انتخابات للمجالس المحلية في فبراير 2002م لتشكل محطة انطلاق نحو حكم محلي واسع الصلاحيات ولأن فخامة الأخ رئيس الجمهورية أكثر الناس ادراكاً لطبيعة الظروف السياسية والتعقيدات الاجتماعية في الساحة الوطنية فإنه لايقدم على اتخاذ أية خطوات إلا بعد دراسة متأنية والعمل على تهيئة الظروف المناسبة والمناخات الملائمة التي تضمن نجاح الخطوة التي يريد الإقدام عليها. فعندما أقدم على خطوة إنشاء المجالس المحلية وإجراء أول انتخابات رئاسية واجه معارضة شديدة لهذا التوجه ولكنه بحكمته استطاع أن يقنع المعارضين ونفس الشيء حصل عندما أعلن التوجه نحو حكم محلي واسع الصلاحيات وانتخاب رؤساء الوحدات الإدارية «أمين العاصمة محافظي المحافظات مدراء عموم المديريات» بصورة مباشرة من الشعب حيث واجه معارضة كبيرة وبحكمته تمكن من اقناع المعارضين بأن يتم انتخاب المحافظين وأمين العاصمة من قبل أعضاء المجالس المحلية وكما قال الأخ سالم صالح محمد المستشار السياسي لرئيس الجمهورية في مقال له نشر في صحيفة «26سبتمبر» العام الماضي عقب انتخابات المحافظين أن فخامة رئيس الجمهورية سأله عن رأيه بانتخابات المحافظين فرد عليه بأنه مع هذا التوجه وأنه انجاز عظيم وتحول تاريخي كبير فرد فخامة الرئيس مخاطباً اللواء عبدالله حسين البشيري أمين عام رئاسة الجمهورية «ياعبدالله كلم الأخ سالم مش عارف أنني انتزعت هذا الموضوع من بين الأنياب». معارضة البعض لقيام حكم محلي واسع الصلاحيات تذكرنا بما حدث عام 1990م عندما عارض البعض إعادة وحدة الوطن وقيام الجمهورية اليمنية وفقاً لدستور دولة الوحدة الذي تم إقراره من قبل ممثلي الشعب في السلطة التشريعية ولكن بإرادة وعزيمة فخامة الأخ الرئيس والتي استمدها من إرادة الشعب اليمني تم تحقيق منجز الوحدة وقيام المجالس المحلية وانتخاب المحافظين وإجراء الانتخابات الرئاسية إيماناً منه بحتمية تحقيق آمال وطموحات الجماهير في الوحدة والديمقراطية والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وتحقيق مبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه والتداول السلمي للسلطة. الأثنين الماضي تم تدشين أعمال المؤتمرات الفرعية للمجالس المحلية في أمانة العاصمة وعموم محافظات الجمهورية والتي تستمر حتى الحادي عشر من يونيو الجاري ويشارك فيها القيادات الإدارية والعلماء وقيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية بناءً على دعوة فخامة الأخ رئيس الجمهورية بإشراك كافة الفعاليات الوطنية لمناقشة كافة القضايا والهموم العامة التي تهم الوطن والمواطن وسيتم في هذه المؤتمرات مناقشة استراتيجية الحكم المحلي والبرنامج الوطني لتنفيذها حيث سيسهم الجميع في تقييم تجربة المجالس المحلية والتهيئة المؤسسية والإدارية للحكم المحلي واسع الصلاحيات وصياغة حاضر ومستقبل الوطن من خلال الشراكة الواسعة في الحوار الوطني البناء وتحمل الجميع أمانة المسؤولية تجاه مجمل التحديات الراهنة التي تواجه الوطن وتستهدف النيل من قدسية الوحدة والثوابت الوطنية. نتمنى أن تخرج مؤتمرات المجالس المحلية بقرارات وتوصيات هامة تترجم آمال وطموحات الجماهير وتحدد الاتجاهات والأسس للانتقال إلى نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات انتصاراً لإرادة الشعب وتعزيز النهج الديمقراطي ومبدأ المشاركة الواسعة في الحكم واتخاذ القرار.