أياً كان المجهول بالنسبة لنا فليس هو بالتأكيد من يحدد مسارنا.. لأن المجهول أحياناً قد نكون نحن ، ألا تجهل ذاتك أحياناً؟! ألا تشعر بالغرابة إزاء ما تفعل؟ ألا تشعر بأنك مسلوب الإرادة في بعض ما تقول وما تفعل؟! إذاً نحن مجهولون أمام أنفسنا أحياناً. هذه ليست فلسفة.. ولا حالة اضطراب طارئة بل ليست فكرة، إنها حقائق.. وعلم، ومن الجهل أن تدعي أن الإنسان يعلم عن جسده أو عقله أو روحه كل شيء. إذ أن هذا المخلوق العجيب البديع الخلق يحمل كماً هائلاً من الأسرار الغامضة والشفرات الدقيقة ما يُذهل العلم ويُسقط هُراء البعض الذين يحاولون أن يثبتوا أن هذا الإنسان ما هو إلا مخلوق تطور جسدياً من قرد إلى حيوان عقلاني ... ثم إنسان مكتمل الشكل والعقلية. وإذا سلّمنا بفرضية هؤلاء فأين هو الكاتالوج الذي حددوا على أساسه أن هذا هو الشكل المكتمل للإنسان في نهاية حلقة متسلسلة تبدأ بحيوان وتنتهي به.. ما أدرى هؤلاء بأن هذه الصورة هي النهائية لخلق الإنسان؟! هل هناك جنس مخصص بتطوير البشرية حملوا على عاتقهم البحث عن سلالة التطور البشري؟! وإذا كانوا قد جعلوا من القرآن مرجعاً علمياً لهم في كثير من الاكتشافات العلمية لماذا لم يرجعوا إليه في مثل هذا الأمر؟! ألم يكن ليثبت لهم أن الله تعالى قد خلق الإنسان إنساناً هناك في السماء؟! غريبٌ أمر البشر.. من كل شيء صنعوا الأصل والصورة.. فأصبحوا يعتقدون أنهم صورة لأصلٍ مجهول.. أحياناً تستهجن الفطرة قبل العقل والفكر.. يتقوقع الجسد قبل العادات والأعراف.. تتشرنق الروح قبل الأيديولوجيات والمعتقدات.. تتشكل الانتماءات والتبعيات قبل القوانين والبروتوكولات.. لذلك يُسبق صوت الرعد ليهطل المطر.. تغربُ الشمس ليُضيء القمر.. تُحرث التربة لتستقر الحبة.. وهكذا سلسلة أسباب ومسببات لكن هناك ثوابت وأصولاً يأتي بعدها الفروع وكل نسبة متوازنة من الوجود والعدم.. من الشفافية والغموض.. من الصدق والكذب. جميلٌ هذا العالم بعاصفة اختراعاته المتطورة.. فأن ترى العالم وتسمعه في شاشة صغيرة لا تتجاوز طول الإصبع الواحد شيءٌ رائع.. وتحملهُ معك حيث تشاء أروع بكثير.. لكن لا تنسى أننا نحن فقط الذين نصنع ونطور، أما البشر فهم خلق بجينات وراثية تحمل صفاتهم الشكلية والنوعية.. وصفاتهم الأخلاقية والخلقية.. ميولهم العلمية والأدبية.. أمراضهم المتنحية والسائدة.. في شريط غير مرئي داخل نطفةٍ صغيرة وبويضة أصغر.. فهل من العقل أن نكون كلنا قروداً تنحى عن صفاتنا الجسمية الشعر والوبر والأسنان البارزة والصوت القبيح.. وهل يُفسر حبنا للموز على أصلنا الحيواني ذي السلالة الحقيرة؟! لا يُصنع الخبزُ والكعك من عجينة واحدة! فلكل مقدارٌ معين من كل شيء. وبالعودة إلى موضوعنا فالإنسان هو الإنسان هكذا خلقهُ الله وأرادهُ أن يكون.. والحيوان هو الحيوان كذلك، فالقائلون بحيوانية الإنسان ينفي الحساب عنهم يوم القيامة لأن الحساب إنما يكون لمن عقل وأدرك.. ولذا فإن المجنون غير محاسب بما يقول ويفعل.. لقد تأملت وقرآت وسمعت كثيراً.. فلم أجد أجمل ولا أروع ولا ألذ من آيات القرآن الكريم تشرح وتفسر وتوضح حقائق الحياة في نسق مشوق يخاطب العقل والقلب معاً.