2-2 لم يستطع إذن ابن المقفع أن يداري أفكاره بقناع «كليلة ودمنة» والتي كانت نقداً موجعاً غُلف بحكاية خرافية. إذا استنطق الحيوان، حتى إذا ما جاء عصر متأخر بموضوع آخر أو على الأصح بقناع آخر هو «ألف ليلة وليلة» حاول المؤلف أو جماعة من المؤلفين أن يقدموا بديلاً للحاكمين وللمجتمع من خلال أحداث يمت كثير منها لخرافة وأساطير خارقة. وبدهي أن يكون مؤلف «ألف ليلة وليلة» مجهولاً، ليس بسبب ما جاء في بعض القصص من محمولات جنسية خادشة للحياء وما يدل على انحراف مرضي جنسي، كزواج الأقارب أو الزواج بالقرود؛ وإنما بسبب مضمونات رمزية سياسية كما لو أن «ألف ليلة وليلة» وثيقة تاريخية تنتقد تفلت القيم ووضاعة الأخلاق وشذوذ الأمزجة!!. في أدبنا الحديث تكثر الأقنعة والإسقاطات، تكثر جراء ذلك خاصة في البلدان التي لم تلق حقوقها الديمقراطية على النحو المطلوب. ولعل أشهر من ارتدى القناع في عصرنا الحديث هو الكاتب الكبير توفيق الحكيم، الذي غادر مصر إلى فرنسا ليدرس الحقوق فأغواه الفن فعاد إلى مصر أديباً. لقد اتخذ الحكيم الحمار قناعاً ليسقط من خلاله أفكاره التي ما كان العصر يسمح بها، فكتب «حمار الحكيم» «حماري قال لي» «حماري وعصبة الأمم». حاول الحكيم أن يقول كل شيء من خلال حماره، بل إنه أعاد الاعتبار لهذا الحيوان الذي هو رمز الغباء والبلادة ليكون من منظور الحكيم رمز الدهاء والذكاء والحكمة!!.