شعرية المكان تعني فيما تعني الشعور بسعادة غامرة تربطك بمكان ما في بلاد الله الواسعة. قد يكون هذا المكان قريتك، مسقط رأسك التي شهدت نمو جسدك بوصة بوصة ونمت عواطفك، ونشوء إحساسك، وقد تكون شعرية المكان نابعة من انتمائك الديني. فالمؤمن المعلق قلبه بالله يجدها حين يشرق في عينيه البيت الحرام؛ فيرى الكعبة المشرفة والحطيم وزمزم ويصافح الركن اليماني ويقبّل الحجر الأسود ويطوف بالبيت. ولا يكاد يتماسك خشوعاً وبكاءً وهو يسلّم على سيد الكائنات رسول الله وأفضل خلقه، ثم هو يتمثل هذا النبي الكريم وأصحابه الكرام يتلقون تعاليمه ويرشفون من نوره وهداه. كما أن شعرية المكان تمثل حاضرة تسرح بالإنسان وهو يسترجع ذكريات الصبا والطفولة وتلقائيتها وبداهة السلوك في الصفاء والنباهة والغباء والبلادة، والرصانة والطيش، والعقل والتهور. ولا يوجد إنسان ما لا يتملكه الحنين إلى قريته، مهما تكن قريته مغمورة بالتخلف والبدائية، فالقرية وطن البوح وعاصمة الأشواق، ولكل بلد شعريته وجماله الخاص. يضفي هذه الشعرية والجمال أكثر من سبب، قد يكون داعي العروبة، وقد يكون داعي الجمال، وقد يكون داعي الدين، وقد يكون داعي الأيديولوجيا، ثم قد يكون داعي الحب، هذه الدواعي هي التي تربطني بأرض الحرمين الشريفين، وأرض الكنانة معاً. في الحرمين يسترجع القلب جلال الإيمان وضرورة الارتباط باليوم الآخر والشعور حنيناً إلى الفردوس الأعلى والتعالي عن سفساف الأخلاق، والإحساس بأهمية أن يصعد الإنسان سمواً إلى مشارف السماء ليكون الإنسان ملكاً. ثم في الحرمين ينسحب المرء تلقائياً إلى موكب النور؛ حيث الإيثار على النفس وحب الله ورسوله من صفات صحابة الرسول الكريم ، وحب التعلق بالله ومحبته هدية المدينةالمنورة لمن يلوعه الحنين ويطفح به الشوق ويتطلع به الهوى إلى حيث مجالي الحقيقة وحدائق ذات بهجة. في أرض الحرمين جمال، ونبل انتماء وعراقة جذور وألق انفعال بعروبة تقاوم قرصنة العجمة. وغداً لقاء..