أصيبت بقدر لا يطاق من الكآبة والقنوط والحزن حينما شعرت بالظلم والذل وألاّ قيمة لها ، فقررت تستريح وتنهي حياتها بيديها وارتكاب حماقة الانتحار بعد أن باتت حياتها صعبة ؛ بسبب العنف الذي تكتوي بناره يومياً من شريك حياتها ، لكن شاء القدر أن تنجو من الموت وتم إسعافها في اللحظة المناسبة ! المجتمع يعج بالعديد من هذه الحكايات التي لا تشهد أي اكتراث لها سواء على المستوى الاجتماعي أو الإعلامي أو الديني ، والكثير من النساء المعنفات فقدن الأمل في تغيير أحوالهن ويشعرن بالخوف لمجرد التفكير في البوح لكشف الإساءة والاعتداءات المتكررة من ( الزوج أو الأب أو الأخ ) تحاشياً لأية مصادمات عنيفة معهم . إن العنف الموجه على النساء في إطار الأسرة سواء على (الزوجة ، الابنة ، الأخت ) تتعدد صوره وتتنوع أشكاله ويقصد به الأذى والمعاناة ابتداءً بوقوع الإيذاء النفسي إلى إلحاق الضرر البدني والجنسي وانتهاءً بالعنف الحقوقي الذي يتخذ مظاهر عدة يتمثل في منع وحرمان المرأة من حقوقها التي أقرها القانون والشرع ، كالحرمان من الإرث ، الزواج المبكر، زواج البدل ، أو دفعها على الزواج بغير رغبتها ، الحرمان من التعليم ، وتكليفها بالأعمال الشاقة خاصة في الأرياف ، وتسفيه قيمة الدراسة والعمل ، وإرغامها على ممارسة أعمال مبتذلة كالتسول والدعارة ، ويساعد هذا العنف غير المبرر على الانتقاص من كرامتها وانتهاك إنسانيتها وإبقائها في أدوار تابعة وخفض نسبة مشاركتها في الحياة . في الغالب تقف جملة من العوامل وراء انتشار ظاهرة العنف ضد النساء في مقدمتها الأسباب الاجتماعية الناتجة عن الموروثات المتأصلة من عادات وتقاليد والإقرار بضرب المرأة فيما لو أذنبت ، وفقدان الترابط الأسري الذي يسوده جو الألفة والمحبة والحوار والتفاهم ، وعدم التوافق الزوجي والمستوى العلمي المتدني لأفراد الأسرة والانحراف السلوكي ، أما الأسباب الأخرى منها التربوية التي تتعلق بأساليب التنشئة والتربية الخاطئة للرجل ، وأسباب اقتصادية تتمثل بالبطالة والفقر والدخل الضعيف الذي لا يكفي المتطلبات الأسرية ، ناهيك عن الأسباب البيئية والتشريعية التي توجد أسباباً ذاتية مرتبطة بشخصية القائم بالعنف مثل تعاطي الكحول والإدمان على المخدرات والإصابة بأمراض نفسية . إن دائرة العنف الممارس على المرأة في اتساع يوماً بعد يوم ليس في مجتمعنا وحسب بل على نطاق واسع من العالم ، لكن الفرق يكمن في الإجحاف والتمايز ، ففي البلدان الغربية يُعاقب الشخص القائم بالعنف بالفصل من وظيفته ويوضع في القائمة الاجتماعية السوداء ، وإلى جانب العقاب المهني والاجتماعي هناك عقاب قضائي ، أما مجتمعنا لا يزال العنف مسألة صعبة ومحرجة تحوطها العادات والتقاليد الاجتماعية بأسوار عالية من الصمت حفاظاً على السمعة والستر ، ويتخذ صبغة دينية حيث يتم التعامل مع قضايا العنف من منظور ديني وليس اجتماعي لذلك لا يحمل المجتمع أي تعاطف تجاه النساء المعنفات ولا يكترث لهن ، كما أن المرأة تعتمد اعتماداً كلياً على الرجل فهو المعيل الأول لها فلا تُمنح مساحة ولو بسيطة للحرية مما يبقيها تحت ركام الجهل والتخلف وقلة الخبرة ويجبرها على تقبل العنف كأنه قدر محتوم . العنف الواقع على النساء لا تنعكس آثاره السلبية على الأسرة وحدها بل يمتد ليطال المجتمع بأسره ، ومكافحة هذه الظاهرة والحد منها مرتبط بدرجة أساسية بوجود تشريعات قانونية تجرم كل أشكال العنف سواء كان نفسياً أو جسدياً أو حقوقياً، وشحن التضامن الاجتماعي يتم عبر تكوين مؤسسات تهتم بشؤون الضحايا من النساء المعنفات وتوفر الأماكن المناسبة لإقامتهن والرعاية النفسية اللازمة ونشر الوعي الحقوقي في أوساط النساء والمجتمع. [email protected]