يبقى كيس القمح في مقدمة الاهتمامات وأول الهموم عند الفقراء في الظروف الاعتيادية، ثم ينضم إليهم من هم أحسن حالاً وأولئك الذين لايشكل ثمن كيس القمح عندهم أيّة مشكلة ولا هم ينشغلون بتفاصيل الأثمان وحكاية ارتفع الثمن أو نقص.لكن هؤلاء ورغم كل مزايا الحياة وبحبوحة العيش وكل ما هنالك من رفاهية ونعيم دنيا، لا بد وأن ينضموا لقائمة المهمومين بكيس القمح في ظرف من الظروف عندما تصبح المشكلة متعلقة بوجوده لا بثمنه، وهو ظرف لا نتمناه ولا نرجوه لأحد، لأنه ظرف المصائب الكبرى الذي تعجز أمامه النقود في إحضار المطلوب، ونتائج هذا الأمر أشد وطأة على الفقراء والمساكين أولاً قبل غيرهم، وعندها يصبح الجميع في دائرة الخطر والهلاك ولا يستطيع أحد أن يواسي أحداً بحفنة قمح أو غيره، والجميع في دائرة المأساة. ليس هناك ما يدفع نحو التشاؤم من إمكانية حدوث هذا الظرف المرعب ولا ينبغي أن يصل بنا التشاؤم إلى هذا الحد مهما كان الأمر، وليبقى باب الأمل والتفاؤل مفتوحاً من باب تفاءلوا بالخير تجدوه، ومن باب أن التشاؤم حالة مزعجة وربما مرضية في أغلب الأحوال ولايساعد على التفكير السليم ورؤية الأمور على حقيقتها دون زيادة أو مبالغة، لأن التشاؤم يُعظّم الشر والمحبطات ويقلل من الخير والمزايا، ومع كل هذا حدثت مجاعات في أماكن عديدة دون تدخل من التشاؤم وحدثت صراعات وحروب بعيداً عنه أيضاً وهناك أصبح كيس القمح وغيره من مستلزمات الحياة هماً واحداً للأغنياء وللفقراء، ولم تعد كثرة المال تأتي بشيء، ولا قلة المال أو انعدامه يضيف شيئاً على ما هو حاصل وهكذا يقال وقت النوائب والكوارث الخبز أولاً وتتلاشى مطالب الرفاهية وكماليات الحياة ويصبح التفكير بها ضرباً من السخف والسذاجة والجهالة، وتعود الحياة إلى نقطة البداية القائمة على الضروريات فقط كل هذا الكلام دار في خاطري خلال زمن قصير لايتعدى دقيقة واحدة، والسبب هو أن أحد الذين يشكل كيس القمح في الوقت الراهن بالنسبة لهم هماً كبيراً فوق ما يتصور المترفون قد فرح عندما سمع عن توزيع القمح الاماراتي وكان أحد المشمولين بكيس قمح فذهب مسرعاً إلى مركز التوزيع المحدد لجهة عمله، وكان المركز بعيداً عن سكنه فوصل إلى هناك ولم يخطر بباله ولم يفكر سوى باستلام كيس القمح وبعدما استلم الكيس راوده أحد الحاضرين على شراء كيس القمح وسريعاً جاء جوابه لا دون أن يفكر بالجواب، وكل هذا من فرحته بكيس القمح ليس أكثر، فذهب إلى صاحب التاكسي الذي كان واقفاً بالقرب من المكان وطلب منه أن يقوم بايصاله إلى مكان سكنه فجاء جواب سائق التاكسي كالصاعقة عندما طلب منه قرابة الألف وخمسمائة ريال مقابل إيصاله فبدأت فرحته تتلاشى وبدت عليه علامات الانكسار والاحباط وهو ما يوحي بعدم وجود هذا المبلغ والمسافة لاشك أنها طويلة، حيث لم تراع هذه القضية بالفعل عند توزيع المراكز وذهب نحو التاكسي الثاني والثالث فكانت الأجوبة كلها واحدة، مع فرق مائة ريال زيادة أو نقصان، وهناك دخل صاحبنا دوامة الحيرة كيف يوصل كيس القمح إلى المنزل ورويداً رويداً استسلم للهزيمة وقبل أن يغادر المكان باع الكيس لمن كان هناك لهذه المهمة لأن المشترى يعلم بأن هناك من لا تساعدهم ظروفهم المادية ووجدها فرصة لشراء القمح بأبخس الأثمان حيث لابديل أمام البائع الغلبان المضطر سوى البيع والقبول بما يعرض عليه من ثمن وكان ما كان في خاطري عن المشهد.. وللفقر أكثر من حكاية.