ليس صحيحاً مايقال بأن «التاريخ يعيد نفسه»، إنما هي البشرية التي تكرر بعض تجارب التاريخ، وقليلاً ما تستلهم تجاربه العظيمة، وكثيراً ما ترتكب نفس أخطاء الأجيال السابقة، لأن الحكماء وحدهم من يتصفحون تجارب الشعوب والأمم، ويثرون بها معارفهم. لا أرى اليوم أي وجه للمقارنة بين الأزمة السياسية اليمنية التي قادت إلى حرب الانفصال 1994م وبين ما تشهده الساحة اليمنية من أحداث هذه الأيام، سوى أن بعض القوى اختلطت عليها الأوراق عندما صعدت إلى مسرح الدعوات التشطيرية نفس الوجوه التي حملت ألوية انفصال 1994م، غير مدركة أن أدوات الفساد، والتآمر واحدة على مرّ العصور والأزمان. إن كل المؤشرات والحقائق التي تجلت خلال الأشهر الماضية تؤكد بأن ما يقال عن تداعيات حرب الانفصال لاعلاقة له اطلاقاً بالأحداث الحالية، وإنما ثمة قوة «مقنعة» اتخذتها مطية لبلوغ مآربها الخطيرة في محاولة تفكيك اليمن، واتخاذه جسراً للعبور إلى مصالح اقتصادية، وأهداف سياسية تعيد رسم خرائط المنطقة، وتوازناتها، وبناها الثقافية وهويتها الحضارية.. فاليوم تتعدد المشاريع التشطيرية التي تتنوع مسمياتها التي تسعى قوى التآمر «المقنعة» إلى ايصالها إلى حالة الصدام، والصراع الدموي، الذي سيجد أيضاً من يغذيه.. في حين ظهرت بالمقابل بوادر صراع مذهبي بين التيارات الدينية «السياسية» التي باتت تشغل نفسها في معارك على إمامة المساجد.. وأخذ ذلك يتزامن مع عصبيات مناطقية تغلف نفسها بأقنعة حقوقية تحت مسميات عديدة. لو تأمل أبناء اليمن جيداً في هذه المسميات، والتصنيفات، والدعوات لأدركوا مدى خطورة المؤامرة التي تحاك على بلادهم، ولعرفوا أن الأموال الطائلة التي تحرك كل هذه التكوينات يستحيل أن يكون مصدرها الداخل، لأن أثرى أثرياء اليمن لاطاقة له بتحمل تكاليفها لشهر واحد.. وإنما هو الخارج ودول العالم الثري هي من تمول هذه الكيانات.. إن كان هناك من يعتقد أن ذلك كله موجه ضد النظام فقد اخطأ خطأً فادحاً، حتى وإن كانت الأحداث في الوقت الحاضر محصورة نسبياً بين الدولة و«الحراك» بل إن المخطط الذي يلوح في الأفق هو تعزيز أنشطة هذه التكوينات، وتحفيزها على النزول إلى الشارع، وتغذية غرورها بنفسها وقدراتها، حتى يصل الشارع اليمني إلى حالة فلتان.. وهنا ستندفع جميع هذه التكوينات في حمى السباق على شغل الفراغ وامساك زمام الأمور، وستجد نفسها تواجه بعضها البعض في صراع دامٍ من أجل البقاء وبسط النفوذ.. هذا هو سيناريو المؤامرة الذي وقعت فيه بعض الدول، وفي مقدمتها الصومال والعراق، والذي سيكون من الغباء جداً الانصياع إليه في اليمن.. فالحكمة الحقيقية تكمن في استلهام الدروس من تجارب الآخرين، وليس تكرار أخطائهم، وإلقاء النفس في التهلكة..