من المتعارف عليه بأن موسم نجم البلدة يحظى باهتمام شعبي «لافت» إذ تزدحم فيه شواطئ المدن الساحلية بحضرموت بأعداد غفيرة من الناس قبيل شروق الشمس للاغتسال والسباحة في مياه البحر الباردة وقضاء أوقات ممتعة على شواطئ الرمال الناعمة ومياهها شديدة البرودة في تظاهرة اجتماعية معتادة منذ عقود من الزمن ترسخت خلالها اعتقادات ومفاهيم مفادها أن للبلدة منافع صحية وعلاجية لهم خاصة في إصحاح الأبدان وتخفيف وطأة الحرارة عنها وإزالة أوساخ الدماء من الأجساد، لهذا فإننا نجد العامة من الناس يرددون «بعفوية» أن الاغتسال في نجم البلدة « ترد العجوز ولده» كما انه يقال إن لبرودة مياه البحر في سواحل حضرموت في هذه الظاهرة الطبيعية التي تحدث كل عام والمسمى « موسم نجم البلدة» والتي تصل انخفاض الحرارة فيه إلى « 10 درجات مئوية» فوائد صحية متعددة وعلاجاً لكثير من الأمراض أمثال ضغط الدم, والسكري, والأمراض الجلدية وتغني عن احتجام سنة. واقترن موسم نجم البلدة منذ خمس سنوات مضت بإقامة مهرجان سياحي وثقافي بمدينة المكلا حاضرة حضرموت متعدد الأنشطة والفعاليات رياضية واقتصادية وتراثية وثقافية وفنية وشعبية وترفيهية حولت أيام وليالي مدينة المكلا في هذا الموسم إلى مباهج فرائحية مطرزة بعبق التراث والفنون واستحضار الموروث الثقافي والتراثي الثري المرتبط بالبحر وعلاقة الصيادين وأهالي المناطق الساحلية وارتباطهم الوثيق بالبحر كمصدر رزق ومعيشة ونشاط إنتاجي يومي. فقد كان للمهرجان وجه أساسي عنوانه الأبرز استكشاف المزايا والفرص المتعددة في عملية التنشيط والترويج للسياحة الداخلية بالاستفادة مما يمثله موسم «البلدة» من عوامل جذب متنوعة تساعد في تفعيل الجوانب الاقتصادية والتجارية والإنتاجية والتسويقية في هذه المدينة الواعدة خاصة أن توقيت هذا الموسم يتزامن مع الإجازة الصيفية لإخواننا المغتربين في دول الجوار الذين يحرصون على قضاء إجازاتهم في أرض الوطن بين أهلهم وذويهم بالإضافة إلى إبراز العادات والتقاليد المرتبطة بالبحر والتعريف بها والحفاظ عليها من الاندثار والنسيان. والشاهد أن مهرجان البلدة في سنواته الخمس قد شهد إقبالاً وحضوراً جماهيرياً من أبناء الوطن في الداخل واستقطب زواراً من العديد من دول الجوار الخليجي وعمت عوائده ومدخلاته كافة القطاعات الاقتصادية والمعيشية والسياحية من فنادق ومطاعم ومحلات تجارية وحافلات نقل ونحوها، وهذا وحده محفز لتطوير المهرجان والحفاظ على مستوى نجاحاته وانعكاساته الإيجابية وتحقيق التوجه نحو انتقاله من إطاره المحلي إلى الإقليمي بهدف تعزيز وتحريك وتنامي الحياة الاقتصادية والتجارية والسياحية العامة في حضرموت والوطن عموماً .. إلا أن مهرجان هذا العام - للأسف- انتكس و«فات» الوقت - سريعاً - على إدارة مهرجان البلدة السياحي ولم يمهلها في ترتيب أوراقها للتحضير والإعداد لهذا الموسم الذي خيمت عليها أجواء» الفتور» و»النفور» واكتفت إدارة المهرجان «بقرع» أبواب السلطة المحلية دون «حراك» أو مجيب وكأن حالها يقول «اللهم أني بلغت». وحتى نسمي الأشياء بمسمياتها فإن مهرجان البلدة بدأ فكرة حميدة ومشروعاً ناضجاً حظي بدعم وتشجيع المحافظ السابق عبدالقادر علي هلال الذي سارع لإرساء تقاليد طيبة في تأسيس هذا المهرجان وتشكيل إدارة مستقلة مختصة به رأسها الأستاذ القدير أنور عبدالله عبدالعزيز يناط بها مسائل التنسيق والإعداد والتواصل , وبالرغم من «تقريع» البعض وخلق المثبطات والعثرات أمام نشاط هذه الإدارة إلا أنها - والحق يقال - مضت في طريقها واثقة الخطوة وبذلت في «الميدان» جهوداً مخلصة ومثابرة مكنت من انتظام فعاليات المهرجان في سنواته الخمس بدعم ومؤازرة وإشراف مباشر من قبل المجلس المحلي في مديرية مدينة المكلا وتحديداً من مديرها العام السابق الدكتور مبارك سالم العوبثاني والحالي سالم عبدالحق اللذين تبنيا مشروع المهرجان وأشرفا على تنفيذه وأسهما في تذليل كافة العقبات والمعوقات التي وقفت في طريقه , وكان لهما الإسهام الأكبر في انتظامه ورعايته .. كما أن السلطة المحلية في حضرموت جندت جهودها وحشدت طاقاتها ووظفت إمكانياتها لإنجاز هذا المهرجان - في الحد المقبول وفقاً والإمكانات الذاتية المتاحة - والدفع به لتحقيق أهدافه وخاصة في استغلال المقومات السياحية والترفيهية والعلاجية الطبيعية والجمالية لمدينة المكلا , وتسويقها محلياً وإقليمياً ، وإنعاش الحياة الاقتصادية والتجارية، والمساهمة في نشر التراث الحضاري بكل فنونه وألوانه ، وتوجيه الاهتمام بالبحر بوصفه مورداً اقتصادياً متنوع العطاء, والدعوة للحفاظ عليه ، وتنشيط الرياضة البحرية والطب الرياضي من خلال توظيف المزايا العلاجية لمياه البحر الباردة في موسم البلدة. ولأن المال هو المحرك والأساس في أي عمل أو نشاط فقد اقتصرت عملية تمويل المهرجان على الرعاة من رجال المال والأعمال الذين لم يبخلوا في تقديم مساهماتهم المالية السخية وكان لهم الأثر البالغ في نجاح المهرجان في سنواته الخمس وانتظام مختلف فعالياته وأنشطته المتنوعة التجارية والثقافية والتراثية والرياضية والفنية والجماهيرية وغاب بشكل ملحوظ الإسناد الرسمي والحكومي إلا اليسير منه وكأن مهرجان البلدة يقام في شواطئ جزر المالديف وليس في سواحل حضرموت! ودخل المهرجان تجربة جديدة في تنظيمه وتنفيذه بمشاركة القطاع الخاص عندما أسندت الدورة الرابعة منه ل « شركة نجوم الخليج للمهرجانات والمعارض» ومقرها مدينة جدة بالتعاون مع «شركة جدة للمعارض الدولية» إلا إن هذه التجربة لم تكن مدروسة ولم تستند إلى جهة متخصصة ومشهود لها بالكفاءة في تنظيم مهرجانات بهذا الاتساع والحضور , فأعيدت الثقة مرة أخرى وأسندت مهمة إعداد المهرجان في نسخته الخامس لإدارة مهرجان البلدة التي تفوقت في التنظيم والأعداد واستفادت من التجارب السابقة وتجاوزت الثغرات والهنات التي رافقت تنظيم المهرجان في سنواته السابقة , فجعلت المهرجان الخامس بمناشطه المتعددة يخرج بتجدد وبهاء وكان من سماته إنشاء القرية التراثية التي كانت فضاءً مفتوحاً على الألق الجميل في التاريخ والموروث الشعبي الزاخر في حضرموت . وكنا نأمل أن يكون مهرجان البلدة السياحي في سنته السادسة هذا العام أكثر تألقاً وتجدداً وجماهيرية إلا أننا فوجئنا كما فوجئت الأوساط الشعبية والثقافية في المكلا بأن المهرجان « فص ملح وذاب» كيف؟ ولماذا؟! .. العلم عند الله .. ومع هذا الذوبان السريع لمهرجان البلدة السياحي وبتلك الصورة الدراماتيكية نتساءل: لمصلحة من تم وأد هذا المهرجان؟ وأين ذهبت دعوات خروجه من إطاره المحلي إلى المستوى الإقليمي؟! [email protected]