في زحامنا «الوطني»، الذي تعودنا فيه على التفاخر كالدببة بين المنابر السياسية، وفرد «فحولتنا» الحزبية على طاولات الحلقات النقاشية، لم أجد من هو أشد حيرة من أبنائنا الشباب، الذين ما انفكوا يبحثون عن ذاتهم من محفل لآخر، ومن صحيفة لأخرى، ومن مقر إلى مقر، وحتى واجهات اللوحات الاعلانية التي أغرقت مدننا، دون أن يجدوا مايسعف صدورهم ببصيص أمل يستمدون منه شرارة تفجير طاقاتهم الفتية الكامنة.. إن ثمة تكريساً منهجياً غريباً في كل مكان لثقافة الإحباط، كما لو كنا واثقين أن هذه هي الأنفاس الأخيرة التي نستنزفها، فالكل يخوض في الهموم، والفساد، والسلبيات، ويشكو، ويتذمر، وينوح، ولا يرى أمامه غير عالم مظلم غارق بالنوائب.. في كل مكان ما إن تقع ناظريك على مشهد سلبي، حتى يقتحم مسامعك صوت يقول بسخرية: «شعب يمني»..! وكأن هناك من يتعمد تحويل هذه العبارة إلى «ماركة تجارية» للتخلف والهمجية.. ومع هذا لا نجد من يحتج، أو يُستنفر، وينتفض غيوراً على هويته اليمنية، ويرفض أن يقرن التخلف باسمه.. وإن كان أستاذاً جامعياً، أو سياسياً، أو أديباً، أو ناشطاً مدنياً..! قد نحمل في حيثيات حياتنا اليومية شيئاً من التخلف، إلا أن عجلة حياتنا تواصل دورانها لطحنه، ورفع قواعد نهضة حداثية.. فلسنا مجتمعاً عقيماً لنستسلم للثقافة الإحباطية، ولسنا بلداً بلاحضارة ولاتراث فكري وثقافي.. وليس أبناؤنا مسبتين على الأرائك، بل هم شباب مكافحون، لايترددون عن قطع مئات الأميال من أجل فرصة عمل يُعزِّون بها كرامتهم.. أليس هؤلاء هم «شعب يمني» ؟ إن كنا نظن بأن أبناءنا سيكونون بخير ونحن نلقنهم هذه الثقافة السلبية التي تجعل من عبارة «شعب يمني» رديفاً للتخلف، فإننا بلاشك نجني عليهم بأيدينا، لأنها ستحطم نفوسهم ومعنوياتهم، وتكرس إحساسهم بالذل والهوان، وتجعلهم يرون كل البشر عمالقة وهم الأقزام الوحيدون ، طالما نحن أفقدناهم الثقة بأنفسهم، وجردناهم من إرادتهم الخلاقة، ونزعنا من صدورهم الأمل.. ربما علينا اليوم أن نعترف بأخطاء تربيتنا لأبنائنا، والثقافة التي نعممها، قبل أن نندم غداً حين تصطدمنا الحقيقة بأن أبناءنا ضعاف الشخصية، وأذلاء، وقد سقطوا في شِراك أهل السوء، أو تحولوا إلى مجرمين، أو متسولين، أو على أقل تقدير ضائعين بلا مستقبل يتسكعون بالشوارع.. علينا أن نؤمن بأن جيل شباب اليوم مختلف عن جيلنا، وقد حظي بفرص التعليم الجيد، والرعاية الصحية، وفتح عينه على عالم يعج بالتقنيات الالكترونية، والفضائيات، والانترنت ولم يعد شعباً معزولاً عن ركب الحضارة العالمية.. وهناك آلاف الشباب يتخرجون سنوياً من جامعات أجنبية وعربية ويمنية، وبينهم المبدعون، والمخترعون، ومن يكرمهم العالم في مهرجانات دولية.. ومن حقهم وحقنا كآباء أن نفخر بأنفسنا، ونقول بملء الفم: «نحن شعب يمني».. شعب مكافح لا يعرف المستحيل، شعب صبور، قوي البأس، طيب، كريم.. وعلى أبنائنا أن يفتخروا بكل ذلك، ويجعلوه سلماً إلى المستقبل الأفضل..