فيما البلد يدخل نفقاً مظلماً لا يزال البعض يرفض مجرد فكرة الحوار؛ وكأن هذا الرفض موقف من «الحاكم» حتى تخنقه التداعيات فيكون البديل والمنقذ هو هؤلاء الذين قرروا إغلاق آذانهم وضمائرهم عن الحوار في موقف لا يعدو أن يكون موقفاً انتهازياً بامتياز!. الحق أن هذا الموقف السلبي عند القوى السياسية والحزبية الفاعلة على الساحة الوطنية لا يمكن أن يقود إلى حالة من الربح والخسارة، بل إن الأوضاع الداخلية إذا استمرت على هذه الحالة من التداعيات فلن تكون فيها فرصة لالتقاط الأنفاس أو إيقافها لإعادة ترتيب الأوراق السياسية أو وضع حسبة لتوزيع الحصص واقتسام السلطة!!.
حتى الآن لم نجد حزباً أو مؤسسة لديها رؤية لمعالجة الحالة القائمة من صعدة إلى تداعيات الحراك في المحافظات الجنوبية على الرغم من إدراك هذه النخب أن ثمة مؤامرة تدار بقوة لإنهاك البلد وإخراجه عن مسار انتظام دورته الدموية وبخاصة في العملية التنموية، حيث ثمة من يقف في خندق المناكفة أو الصمت المطبق، رامياً عرض الحائط بكل مبادرة أو رأي لوضع «الحوار» على مساره الصحيح وفي الوجهة التي تسهم في إيقاف التدهور المتسارع على جبهات الاشتعال الخطير!. وثمة من ينتظر إلى أين ستقود هذه التداعيات لعل وعسى أن تؤول إلى وضع جديد يجد هؤلاء أنفسهم في السلطة أو في مواقع اقتسام السلطة؛ غير مدركين وبغباء شديد أنهم سيكونون أول من تشملهم هذه الحرائق، حيث لن يكون هناك ما يمكن الوصول إليه أو اقتسامه غير الدم؟!.
من هنا تأتي أهمية تدخّل الأخ الرئيس علي عبدالله صالح لتكرار إطلاق المبادرة - وهو أهل لذلك - في توفير وتهيئة أنسب الظروف للدخول في حوار متعدد الأطراف، ولا مانع من تقديم التنازلات لذلك على خلفية مبادرته السابقة وبما يكفل إيقاف هذا التدهور وهذا النزيف الذي يخدم أعداء الوطن واستقراره ويهدف إلى تقويض وحدة اليمن وجره إلى دوامة الاقتتال الأهلي!. حتى الآن ووفق المؤشرات الميدانية ثمة خوف على الوطن من الانجرار إلى مربعات الفتنة، ووفقاً لذلك فإن استمرار الصمت على هذا الوضع أو التعامل معه بردّة الفعل يفقد المبادرة لنزع الفتيل فاعليتها وحيويتها وأهميتها.
وإذا كان الحوار بين كافة أطراف العملية السياسية والحزبية يمثل أحد أعمدة الإنقاذ؛ فإن قيام المؤسسات الدستورية والنخب السياسية بتحمل مسئولياتها تجاه استقرار الوطن والمشاركة الفاعلة في التأسيس لوضع خيارات الخلاص من هذه السلوكيات المضرة بالوحدة الوطنية هي الأخرى قاعدة ضرورية للتوافق على شروط الدخول في المعترك السلمي والحضاري لإنجاز مهام الحفاظ على اليمن من مخاطر التمزق والشتات وذلك بوضع آليات الخروج من الأزمة. ودون مثل هذا التحرك الواسع والشامل والفاعل والسريع في كل الاتجاهات والمواقع لإيقاف هذا التدهور الخطير فإن اليمن على وشك الانهيار، وما أدراك ما الانهيار!!.