إن إعادة استنساخ النقاش حول الظروف والملابسات التي أوصلت اليمن إلى هذا الحال لم يعد مجدياً إلاّ في كونه درساً بليغاً للاستفادة من تجربة ربما أخطأت هنا أو أصابت هناك وبما يجنبنا الوقوع مرة أخرى في الأخطاء الاستراتيجية التي وضعتنا وجهاً لوجه أمام الجدار المسدود، لذلك فإن إغلاق ملفات الماضي بكل سلبياته وإيجابياته هو إحدى بوابات العبور إلى المستقبل ، أما في ما تبقى من الاستحقاقات فيبدو أن الأبواب لا تزال مشرعة أمام قدرات اليمنيين في الإجابة على التساؤل الملح والضروري عن كيفية الخروج من هذا الوضع المراوح بين خيارات التسوية أو اللاتسوية. ولما كانت المبادرة الخليجية المزمنة قد وضعت أمام الجميع خارطة طريق للخروج الآمن من أسر تلك التحديات التي واكبت الأزمة العام الماضي فإن اليمنيين معنيون بشكل مباشر لاستكمال إنجاز هذه المبادرة وصولاً إلى الانتخابات عام 2014م. هذه المسؤولية التاريخية الوطنية التي يتحملها اليمنيون على عاتقهم تكمن بدرجة رئيسة في المشاركة الفاعلة ضمن جولات الحوار الوطني المرتقبة باعتبار أن هذه العملية هي إحدى الرافعات الأساسية لإنجاز مسار التسوية السياسية والاستقرار في ربوع اليمن .. ولعل الدخول و المشاركة بفاعلية في هذه العملية مرتبطة بدرجة رئيسة في إمكانية القوى الوطنية على الساحة في تفكيك الألغام المزروعة هنا وهناك لإعاقة عملية الحوار ، وذلك يتأتى – من وجهة نظري – باتخاذ جملة من الخطوات كتلك المرتبطة بضرورة استمرارية التواصل مع القوى السياسية التي تحفظت حتى الآن على الدخول في العملية السياسية ، فضلاً عن أهمية ترجمة التوصيات التي كانت قد رفعتها اللجنة الفنية للحوار إلى الأخ رئيس الجمهورية .. وهي المتعلقة بتهيئة الأرضية لدخول كافة القوى إلى طاولة الحوار الوطني وتحديداً قوى الحراك الجنوبي ، حيث سيكون من شأن ترجمة تلك التوصيات خلق مناخات الثقة والتطمينات لهذه القوى التي لا يمكن تجاهل تأثيرها على مجرى عملة التسوية. كما أن هناك ثمة أموراً ملحة تتطلب ضرورة بذل جهود إضافية لاحتواء التباينات الواضحة بين فرقاء الفترة الانتقالية، حيث تقتضي مسؤوليات المرحلة على الشركاء سواء في المؤتمر الشعبي أو في تكتل المشترك تهدئة الخطاب الإعلامي والسياسي فيما بينهما والتمسك بالمبادئ التي ارتضوها وهم يتحملون مسؤولية هذه المرحلة بكل القناعة والاقتداء .. ولا ننسى هنا أيضاً التأكيد على أهمية أن تتواصل الجهود لإيجاد تسوية ما بين التجمع اليمني للإصلاح وحركة الحوثيين تكفل إيقاف هذا التصعيد الخطير في المجابهة العسكرية و الإعلامية ، إذ إن استفحال خلافاتهما وانتقالها إلى الميدان سوف يضر بشكل مباشر مسار التسوية السياسية. ولأن تلك كانت مجموعة من المقترحات المتواضعة بهدف إثراء النقاش حول الموضوع .. فإن المرحلة تتطلب التنويه إلى أهمية إيجاد حلول للمشكلة الاقتصادية باعتبارها إحدى مترتبات الأزمة السياسية خاصة أن الدعم المادي الممول إقليمياً ودولياً أستطاع أن يوقف التدهور الاقتصادي لكنه لم يتمكن – حتى الآن - من انتشال المواطن من براثن أزماته المتلاحقة والتي تختص بأمنه الحياتي .. وأعتقد في هذا الصدد أنه لا يكفي الإعلان فقط عن حشد هذه التمويلات وإنما تستدعي الضرورة أن تكون هناك آليات عاجلة لتنفيذ الخطط والبرامج الإنمائية التي وضعتها الحكومة في إطار ما تعهد به المانحون في مؤتمري الرياض ونيويورك ، إذ إن تلمس المواطن للآثار الإيجابية المباشرة لهذه المساعدات و التمويلات سوف يلقي – بالنتيجة – بظلال من الثقة والاطمئنان على مستوى المواطن وبما يعنيه ذلك من إمكانية العبور إلى الظلال الوارفة التي يمكن لها أن تخفف من هذا الاحتقان السائد في المجتمع. وبطبيعة الحال فإن الأمر لا يقتصر على الداخل اليمني في إيجاد مخارج للراهن من المشكلات التي تقف حائلاً دون استكمال مسار التسوية وإنما المسؤولية في تبديد هذه السحب الداكنة تطال كذلك الرعاة من الأشقاء والأصدقاء الذين عليهم أيضاً بذل المزيد من المساعي لإقناع من تبقى من الأطراف الدخول والمشاركة في عملية التسوية السياسية، خاصة وأن لدى بعض هذه الدول تأثيرها المباشر على قوى الحراك الجنوبي، حيث لا يكفي التلويح بالعصا الغليظة تجاه من يحاول تعطيل تنفيذ المبادرة الخليجية وإن كان ذلك ضرورياً ، حيث لا تزال ثمة إمكانية لإخراج هذه القوى من متاريس الشك والريبة إلى أجواء الثقة والاطمئنان، إدراكاً من الجميع بأن الوطن أمانة في أعناقهم ولا خيار أمامهم للخروج من هنا بغير الحوار! رابط المقال على الفيس بوك