أصبحت ظاهرة مثيرة للاستغراب كثرة المبادرات السياسية المضحكة هذه الأيام التي لا تلامس قضايا اليمن واليمنيين الحقيقية بقدر ما تنم عن طموحات سياسية جانحة للشتات، فهذا يطرح مشروع فدرالية وآخر كنفدرالية وثالث يتحدث عن نقل العاصمة إلى الجند وربما إلى المراوعة وذاك يحدثنا عن نظام أقاليم، ألوية، إمارات ،والله وحده يعلم ما ستسفر عنه الأيام القادمة من جديد في عالم المبادرات . قضايا اليمن الحقيقية المعاصرة والتي يجب أن تركز عليها كافة القوى الخيرة في البلد هي قضية الاقتصاد والتنمية والإدارة والأمن وسيادة النظام والقانون. الاوضاع الاقتصادية شبه المتردية بسبب التشريعات الكابحة للاستثمار والتنمية.. و القوى العابثة بالأمن والاستقرار، الاعتماد الكلي على ماتجود به آبار النفط شبه الناضبة التهاون الشديد في تحصيل وترشيد موارد الدولة هي القضايا التي يجب ان تطرح على الطاولة للمناقشة وتبادل الآراء وتقديم الحلول (المبادرات ) والاستفادة من الخبرات المحلية والاجنبية. فالمواطن العادي لاتعنيه قضية الفدرالية التي قد تعمل على تحجيم نشاطاته الصغيرة لاسمح الله المواطن العادي لا يعنيه نقل العاصمة حتى إلى جزيرة سقطرة، مايعنيه هو سيادة القانون وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وتحرير مناهج التعليم من الاوحال التقليدية وتطوير وتوسيع برامج التدريب الفني والمهني وتأهيل وتدريب القوى العاملة بما يضمن استيعابها في سوق العمل المحلي والإقليمي والدولي ودعم الأسر المنتجة و المزيد من إشراك المرأة في مختلف مناشط الحياة والمزيد من محو الأمية بمختلف ألوانها الابجدية والالكترونية والثقافية والحضارية والحد من صلاحية القوى التقليدية والمؤسسات الماضوية المنتجة للركود الاجتماعي والتخلف الفكري ووضع حد لتدخلاتها السافرة في الحياة العامة . توفير الاجواء المواتية للاستثمار في كافة المجالات الصناعية والزراعية والتجارية والخدماتية لزيادة فرص العمل وامتصاص البطالة. دعم الصناعات الوطنية أمام سياسة الاكتساح والاغراق لا سيما ونحن على أبواب العولمة والمزيد من الرقابة العامة على الأداء الوظيفي والمزيد من توسيع وتهذيب حرية الكلمة. أحسب أن هذه النقاط هي أهم مصادر الضعف العام في البلد المنتج لهذه التداعيات، والعجيب ان معظم المبادرات الفارغة تمر عليها مرور اللئام أو تتحدث من خلالها عن المشاريع التمزيقية المتركزة حول إعادة رسم الخريطة السياسية لليمن الواحد . وكأن مشكلة اليمن تكمن في تعدد القوميات والأعراق، وبالمناسبة يقول العلامة الفيلسوف اليمني الحضرمي ابن خلدون : ليس بين الناس خلاف في أن قحطان أبو اليمن كلهم. وقال ابن منظور : أول من أنطق الله لسانه بلغة العرب يعرب بن قحطان وهو أبو اليمن كلهم، وهم العرب العاربة . إن تمرير المشاريع الخاصة والثارات السياسية القديمة من خلال قضايا الامة اليمنية يعد تزويراً للقناعات العامة وتضليلاً للرأي العام المحلي والعالمي من خلال إيهامه ان مشكلة اليمن في مجرد" المركزية والحل يكمن في تفكيك بنية النسيج الاجتماعي للأسرة الواحدة . العجيب أن بعض وسائل الإعلام - للأسف الشديد - جعلت من منابرها أبواقاً لهذه المبادرات العقيمة . بينما هناك أكثر من اطروحة خلاقة في الاقتصاد والإدارة والاجتماع تجاهلتها تماماً. إن مشكلة اليمن الكبرى تكمن في التنمية والإدارة وأية معالجات أو مداولات خارج هاتين الدائرتين تعد معالجات للافرازات والنتائج دون الأسباب والمسببات..كما ان القلاقل الامنية والدعوات التمزيقية في الشمال والجنوب لا علاقة لها بهذه أو تلك وإنما تنشأ من مطالب كهنوتية او تركيبات سياسية لقيطة أرادت ان تمتطي أحصنة الفوضى الخلاقة اقصى ماتسعى اليه إحداث شيء من الضجيج و إثارة البلبلة في اوساط الناس . ملاحظة الاستاذ عبدالله الصعفاني عن الحكم المحلي واسع وكامل الصلاحيات المنشورة في عموده الاسبوعي بصحيفة الثورة الاثنين 26/ 7/2009 جديرة بالدراسة والاهتمام ، نرجو من المعنيين أخذها بالاعتبار .