الذين يتخذون من أوجاع اليمن، الوطن والشعب، نقاط ضعف للدخول في مساومات وتحقيق صفقات مع الحزب الحاكم وقيادته على طريقة الثعلب في ابتزازه لطائر الجولبة بالقول: «اعطيني واحداً من عيالك وإلا قلعت الشجرة وأكلت الجميع».. سوف يصابون بخيبة أمل عندما يجدون أنفسهم يصطدمون بوعي سياسي شعبي رفيع يقول لهم لا يمنعكم عن تنفيذ تهديداتكم سوى العجز الناتج عن الضعف وعدم القدرة على قلع شجرة الحرية المحروسة بإرادة وحدوية جسورة يتناغم فيها بحق الصمود الشعبي مع الصمود البطولي لحراس الثوابت الوطنية والشرعية الدستورية من أبناء القوات المسلحة والأمن البواسل. هؤلاء الأبطال الذين اعتادوا وتطبعوا على العطاء المبدئي الدائم والمستمر دون الأخذ، والجاهزين للتضحية بما لديهم من الدماء الزكية والأرواح الطاهرة من أجل الوطن وحماية السيادة الوطنية وترسيخ القيم المقدسة للأمن والاستقرار إيماناً بواجباتهم الوطنية التي تعلموا منها أن الثوابت الوطنية لا تباع ولا تشترى بثمن. أقول ذلك وأقصد به أن الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية والتنمية الشاملة تمثل مجتمعة ومنفردة الحياة والحرية والحق والعدل والرخاء غير قابلة للمساومات والصفقات السياسية الانتهازية إما أن تعيش معاً وإما أن تنتهك معاً من المشتغلين بهذا النوع من التجارة والسياسة الرخيصة. وإذا كانت التجارة بأوجاع اليمن تجارة متوحشة وقاتلة للحرية والديمقراطية والتنمية؛ فإن أسوأ السياسيين هم الذين يتعمدون الإتجار بها وإخضاعها للتداول الانتهازي اللا أخلاقي الباحث عن المتعة واللذة داخل الدوامة العنيفة للأوجاع وما تحدثه من المعاناة بما تنطوي عليه من المشقة والآلام القاتلة للأمل والسعادة. أقول ذلك وأقصد به أن الواجب الوطني يحتم على الجميع التعاون والتكامل والتكافل في معالجة الأوضاع، وأفضل السياسيين هم أولئك الذين يرفضون الدخول في هذا النوع من التجارة السياسية الانتهازية التي تدع للخلافات في الرأي أن تتحول إلى عداءات ومكابرات مخزية. لأن قضايا الأوطان والشعوب محاطة بالخطوط الحمراء المانعة للخيانة والعمالة تحتم على جميع الأحزاب والتنظيمات وعلى جميع السياسيين الحزبيين والمستقلين التنافس على المبادرة في تقدم الصفوف الأولى والأمامية للمشاركة في الحلول بدلاً من المواقف المتخاذلة والمتخلفة التي تسهم في مضاعفة المشاكل والتحديات ومضاعفة الأخطار التي تضع أصحابها في شبهات العداء للحياة والحرية والثوابت الوطنية. أقول ذلك وأدعو جميع المشتغلين بالسياسة والصحافة الحاكمة والمعارضة إلى مراجعة مواقفهم بروح الحرص على وحدة الوطن ومصالح الشعب الوطنية العليا، وتحتم على الجميع التعامل بمسئولية مقرونة بروح الاستعداد للتضحية بالذاتي من أجل الانتصار للموضوعي وتصويب الأخطاء المقصودة وغير المقصودة، المتعمدة وغير المتعمدة، الإرادية واللا إرادية. لأن عدم المراجعة، وعدم الاستعداد لتصويب الأخطاء سياسة رعناء ومواقف جنونية يستدل منها على عدم الشعور بالانتماء للوطن والشعب، والاستعداد للمشاركة بما يريده لها الأعداء من الأضرار الجسيمة بصورة تتنافى مع الأهداف السامية الجليلة للديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والهادفة إلى تحقيق التداول السلمي للسلطة بأساليب انتخابية سلمية تجنب الأوطان والشعوب العواقب الوخيمة للصراعات والحروب؛ لأن غاية الديمقراطية هي الانتصار لما يجب نصرته من السياسات والخطط والبرامج المحققة للتطلعات في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.... إلخ. لأن معارضة الأقلية لإدارة الأغلبية للسلطة محكومة بالمصداقية والموضوعية والمسئولية، أما معارضة الوطن والشعب فهي عملية دخيلة على الديمقراطية وبدعة سياسية خاطئة ما أنزل الله بها من سلطان، وسابقة شاذة تتنافى مع جميع التجارب الديمقراطية التي تعني «حكم الشعب نفسه بنفسه». وما كان لأي شعب من الشعوب أن يقبل باستخدام الديمقراطية لمضاعفة همومه ومعاناته الناتجة عن أوجاع مفتعلة يصنعها له الطامعون بالسلطة والثروة بأساليب غير ديمقراطية يقوم بها البعض من أبنائه تحت مبررات عدم اقتناعهم بحرية ونزاهة العملية الانتخابية، فيقدمون الذاتي على الموضوعي لتحقيق مكاسب أنانية في ظاهرها الحرص على الوطن وفي باطنها الإضرار المتعمد به مع سبق الإصرار والترصد. وكأن سلطة المعارضة تتحول إلى غاية لذاتها وليست وسيلة لتحقيق غاية ذات علاقة بالمصلحة الوطنية العليا للوطن والمواطن اليمني صاحب المصلحة الحقيقية في العملية الديمقراطية المكرسة للإرادة الشعبية الحرة. أقول ذلك وأقصد به أن على الذين يسيئون استخدام الديمقراطية في افتعال المشاكل والأزمات لأوطانهم ولشعوبهم أن يراجعوا حساباتهم ومواقفهم المضادة للثورة وللوحدة وللديمقراطية وللسلام الاجتماعي حتى لا يتسببوا في استثارة غضب شعوبهم عليهم وما يلحقون بأنفسهم من اللعنات التاريخية. لأن الديمقراطية ليست مادة للتجارة السياسية وليست مادة للإثارة، ولا هي سلاح لتمزيق الأوطان وقتل المدنيين والعسكريين وإقلاق ما تحتاجه التنمية الحضارية من مقومات الأمن والاستقرار، وزج الحكومات الديمقراطية في معارك جانبية تهدر الجهود وتبدد الطاقات والإمكانيات والموارد الممكنة والمتاحة في مواجهة المشاكل المفتعلة التي تقوم بها هذه الجماعة المذهبية الضيقة أو تلك الجماعة الانفصالية الفوضوية، لأن الفلتان الأمني لا يخدم سوى أولئك الذين يتخذون مواقف عدائية وتآمرية وخيانية من الثوابت الوطنية المقدسة. أخلص من ذلك إلى القول بأن العودة إلى الحوار السياسي وإلى ساحة التصالح والتسامح التي دعا إليها فخامة رئيس الجمهورية هي المدخل الوحيد لمراجعة الأخطاء وتصويبها، ودرء ما تحيكه الأعمال العدائية من التحديات والأخطار والعواقب الوخيمة. لأن السلطة الديمقراطية بجناحيها الحاكم والمعارض وسيلة لإسعاد الشعوب وليست غاية لتدمير الأوطان وإهدار ما تنطوي عليه من الخيرات والموارد الاقتصادية والاجتماعية في خلافات وصراعات يتضرر منها الجميع، ولا يستفيد منها سوى الأعداء الذين لا يستطيعون العيش إلا في المستنقعات الآسنة والحاملة لكل ما هو ذميم وقبيح وفتاك من الأوبئة.