يعتقد البعض أن التجارة غير السياسة، وأن السياسة غير التجارة مهما بدت واحدة وموحدة، ويعتقد البعض الآخر أن التجارة سياسة والسياسة تجارة ولا فرق بين الاقتصاد وبين السياسة، وبين السياسة وبين الاقتصاد، وأن من يمتلك الثروة يمتلك السلطة، وأن من يمتلك السلطة يمتلك الثروة، وذلك ما جعل أحزاب اللقاء المشترك تبحث عن نجاحات سياسية غائبة من خلال مجموعة الشيخ حميد الأحمر، أحد أكبر رجال المال والأعمال في الجمهورية اليمنية لعله يحقق في السياسة ما حققه في التجارة من النجاح الذي عجزت عن تحقيقه في كافة الحوارات والدورات والمنافسات الانتخابية. أقول ذلك وأقصد به أن استقواء السياسة بالتجارة أسلوب جديد ابتدعته المعارضة اليمنية في منافستها على الموقع الأول مع صاحب الأغلبية الحاكمة لاعتقادها أن الطرف المنافس لن يكون بمقدوره الاستقواء بالتجارة على السياسة من خلال مجموعة هائل سعيد أنعم أو من قبل غيرهم من رجال المال والأعمال المحسوبين عليه من الناحية السياسية والحزبية. لأن مجموعة هائل سعيد أنعم يعتقدون بمبدأ الفصل بين التجارة وبين السياسة، ويجعلون للأولى مجالاتها وأساليبها، وللثانية مجالاتها وأساليبها المختلفة خوفاً مما قد يحدث عن الجمع والربح من الشبهات والعواقب الكارثية الوخيمة الناتجة عن خطأ الخلط بين المجالات المشروعة والمجالات غير المشروعة؛ وتسخير السياسة لخدمة التجارة بصورة مخالفة للدستور والقانون تعرض التجارة لشبهات هي في غنى عنها يستدلون عليها بما يمكن أن تجديه الدعاية من مادة خصبة تمكن السياسة من الإساءة إلى التجارة واتهامها بالخلط بين مجالات الكسب المشروعة ومجالات الربح غير المشروعة. لذلك أكدت التجربة أن آل هائل سعيد أنعم ومجموعتهم الذين يحتلون المرتبة الأولى بالنجاح في التجارة يرفضون القبول بالمواقع أو الحقائب الوزارية التي تعرض عليهم ويكتفون بالمشاركة الرمزية سواء في المواقع القيادية الحزبية أم في مجلس النواب والمجالس المحلية المنتخبة. مؤكدين بمواقفهم الوطنية تلك أنهم أصحاب زهد في السلطة والسياسة رغم أنهم أصحاب دور فاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية والخدمية والخيرية والإنسانية لا يساويهم ولا ينافسهم فيه أحد من رجال المال والأعمال سواء الذين يؤمنون بخطهم ونهجهم بالفصل بين التجارة والسياسة أم الذين يؤمنون بالجمع بين التجارة والسياسة. إن هذا النوع من رجال المال والأعمال الذين يقدمون الانشغال بالتجارة على الانشغال بالسياسة تجدهم في حالة حضور دائم ومستمر في الاستعداد للتضحية بالذاتي من أجل الموضوعي، وبالمصالح الذاتية لخدمة المصالح الوطنية في أوقات الأزمات والكوارث التي تهدد أمن الوطن واستقرار نظامه الجمهوري ووحدته الوطنية وتنميته الاقتصادية والاجتماعية دون ثمن يعود عليهم بالمواقع والحقائب الوزارية لأنهم لا يطمحون ولا يطمعون في الوصول إلى المواقع الأولى والأمامية في الدولة؛ نظراً لما يجدون فيها من تناقض وتضاد بين مصالحهم التجارية وبين المصالح العليا للوطن والشعب. أقول ذلك وأقصد به أن مشاركة آل هائل سعيد أنعم ومن على شاكلتهم من رجال المال والأعمال وحضورهم في السياسة لا تتفق مع مشاركتهم وحضورهم في التنمية وفي التضحية الوطنية في معتركات الدفاع عن الثوابت الوطنية المتمثلة بالثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية. ومعنى ذلك أن المشتغلين بالتجارة غير المشتغلين بالسياسة قد يكونون أصحاب تأثير كبير في المساعدة على الدفع بالسياسيين إلى مواقع النجاح بحكم ما يمتلكونه من الإمكانيات المادية والمعنوية النافذة والمؤثرة على صنع القرارات والنجاحات السياسية إلا أنهم لا يحبذون أن يضعوا أنفسهم في المقدمة لأنهم لا يرغبون في تعريض ممتلكاتهم وثرواتهم لهذا النوع من الشبهات الناتجة عن خطأ الخلط بين المكاسب التجارية المشروعة والمكاسب السياسية غير المشروعة الناتجة عن تسخير السياسة لخدمة التجارة بصورة قد يتخذ منها خصومهم أسلحة لتشويه ما لديهم من السمعة واتهامهم بالفساد الناتج عن التهرب من الضرائب والناتج عن استغلال مواقعهم القيادية لخدمة ما لديهم من مكاسب مادية تسخّر العام لخدمة الخاص، والمصلحة الوطنية لخدمة المصالح الأنانية الذاتية بأساليب ووسائل انتهازية لا ترتقي شرفاً ونبلاً إلى مستوى ما تهدف إليه التجارة من مكاسب مشروعة. نعم لقد أصبح هذا النوع من رجال المال والأعمال الذين يتجنبون الوقوع في خطأ الخلط بين التجارة وبين السياسة يتخذ من آل هائل سعيد أنعم نموذجاً يحتذى به من قبل الأغلبية الساحقة من رجال المال والأعمال الذين يفصلون بين التجارة والسياسة. في حين يتخذ البعض من الذين ولدت أموالهم وثرواتهم في خطف السياسة والسلطة من مجموعة الشيخ حميد الأحمر ومن يؤمنون بالجمع بين السياسة والتجارة مهما بدت أنها قد لا تتفق مع مالدينا من المرجعيات الدستورية والمنظومات القانونية النافذة مهما كان لهم من قدرة على اللف والدوران وانتهاج الحيل والخدع القانونية؛ لا بل قل مع ما لدينا من العادات والتقاليد المستمدة من الشريعة الإسلامية. وكما يخلطون بين الدين وبين السياسة يخلطون بين الخاص وبين العام ويتخذون من التجارة جسراً يعبرون عليه إلى السياسة غير مدركين أن القول بأن التجارة سياسة والسياسة تجارة لا يتفق مع إرادة الشعب من أبناء الهيئة الناخبة الذين يميلون إلى الفصل واحترام النموذج الأول من الذين كسبوا ثرواتهم من خلال حركتهم التجارية المشروعة خارج نطاق السلطة، وعدم احترام النموذج الثاني من الذين كسبوا ثرواتهم وأموالهم في أحضان السلطة من خلال رغبتهم في الجمع بين السياسة والتجارة على ما تعنيه من الخطورة المثيرة للشبهات. أقول ذلك وأقصد به أن ما أظهرته أحزاب المعارضة الفاعلة من رغبة في الاستقواء على النموذج الأول بالمنتمين إلى النموذج الثاني أمر يدعو إلى الكثير من الشكوك والمخاوف اللا مسؤولة واللا مقبولة التي تعتبر السياسة تجارة والتجارة سياسة، وتجيز للأبناء والأحفاد أن يجمعوا بين التجارة وبين ما يتقلده آباؤهم وأجدادهم من مواقع سياسية. لأن الذين يضعون لتجارتهم ورغباتهم المشروعة حدوداً وخطوطاً حمراء وفاصلة بينها وبين السياسة في تحقيق المكاسب وجمع الثروات خشية مما قد ينتج عنها من التناقض والتضاد بين المصلحة التجارية الخاصة والمصلحة الوطنية العامة؛ غير الذين لا حدود ولا خطوط حمراء لتجارتهم وسياستهم التي تعتبر التجارة سياسة والسياسة تجارة بغض النظر عما قد ينتج عنها من التضاد والتناقض بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة؛ حتى ولو أسفرت عن تحويل وتعريض أمن الوطن واستقراره ونظامه الجمهوري ووحدته وثوابته الوطنية إلى سلسلة من الأزمات السياسية والأزمات الاقتصادية ذات الأخطار والكوارث الاجتماعية التي يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها سوى الأعداء الحقيقيين للتجارة والسياسة من الذين لا يفرقون بين الثوابت والمتغيرات وبين المقدسات المباحة والمحرمات المجرمة. لأن مواردهم ومصادرهم المالية التي جمعوا بها ما لديهم من الثروات الخيالية بأقصى قدر من السرعة والظهور المفاجئ لا تمثل لهم شيئاً ثميناً يستحق الحرص عليه وتدويره وتطويره بالأساليب والوسائل التي ترتقي إلى مستوى الغايات المشروعة. فنجدهم لذلك يعتقدون أن ما يتعرضون له من الخسارة المحتملة في زحام المعتركات الصعبة لتسخير التجارة لخدمة السياسة وتسخير السياسة لخدمة التجارة سوف يعوضونه ويضاعفونه مرات عديدة في أقصى قدر من السرعة إذا وصلوا إلى السلطة؛ لأنهم لا يفرقون بين السلطة المحكومة بالمسئولية والأمانة وبين الغنيمة العديمة الإحساس بالمسئولية واللأمانة؛ وذلك بالتأكيد نوع من أنوع الشمولية والشخصنة التي تنظر إلى الوطن بعقلية انتهازية ومستغلة بطغيان الذاتي على الموضوعي، وبطغيان المصلحة الأنانية الذاتية على المصلحة الوطنية الجماعية للوطن والمواطن.